فرااااااغ

فرااااااغ

الاثنين، 16 مارس 2020

رؤية في نص -ضحكت وضحك ظلي معي- المبدع كاظم الشويلي- عايده بدر











ضحكت و ضحك معي ظلي






كنت امشي وحدي في تلك الظهيرة القاسية , حيث الشمس تكاد تحتضن الأرض , هاربا من حرارة الشمس , متجها نحو داري , ليس لي علاقة بأي مخلوق , من البيت إلى الدائرة و من الدائرة إلى البيت .... عمر و ينتهي , لا يهمني أي شيء ..... فلتحترق الدنيا .............
يالحرارة الصيف اخذ جبيني يتصبب عرقا وفجأة ... حصل ما هو اغرب من الخيال ... من يصدقني إذا قلت :
.... انفصل عني ظلي ........... نعم انفصل وصرنا اثنين , أصبت بالدهشة و الحيرة .....
وهل ينفصل ظل الإنسان عنه ؟!! نعم : ينفصل أو يتواري في حالة الظلام و يختفي و هو داخل البنايات , لكن الذي حدث في تلك الظهيرة أثار عجبي و اندهاشي , لم اسمع و لم أر أن ظل الإنسان ينفصل عن صاحبه , و الأدهى من ذلك انه يحدثك و هذا ما جرى في تلك الظهيرة اللاهبة عندما كنت اجتاز الشارع المؤدي إلى دارنا بين أزقة بغداد العتيقة ، أصدقكم القول ولن أبالغ أبدا ، اخذ ظلي يمشي أمامي بخطوات متسرعة ......... توقفت أنا ، بينما طفق ظلي المتمرد يواصل مسيره سارع في خطواته .........
هرول كجندي هارب من المعركة . ركضت خلفه , لكنه مال إلى جهة المتنزه , ناديته :
- توقف يا هذا ... عد إلى مكانك ......
التفت إلي .......... مط شفتيه في ذهول .... و فكر شارد ا .... أسرعت نحوه , أسدل أجفانه كمن يمضغ حصى , نطق بصوت حزين : -
ابتعد عني , اتبعتك سنوات مثل كلب أمين و ها انذا أفارقك بلا رجعة .......
صعقت ...... و هل يتكلم الظل , يتمنطق و يتفلسف ؟ صدقوني لم أشاهد أبدا ماشاهدته في ظهيرة بغداد الحارقة ......
أردف قائلا و كأنه قرأ شريط أفكاري :-
- منذ ولادتي و أنا صامت , أحيا في دهاليز من الصمت .
سألته مستغربا :
- و ماذا حدث حتى تتركني أيها الظل العزيز دون وداع ؟ أنا لم اخدش مشاعر أي مخلوق في الدنيا, عد لرشدك .....

مد يده اليسرى و اتكأ بها على شجرة رمان فارعة الطول و طفق يحدثني بأسى , و نشيجه يرتفع كطفل بريء : -
- مللتك , كرهتك ......... أنا يا سيدي ثورة , و هدير أمواج ثورتي تجرفني للتمرد عليك, , أنا لا ادعي ذلك عبثا أو غرورا فأنا أحمل هما يكبر عمري بعشرات العصور , أنت خاو يا سيدي لا أسمع منك سوى عويل الرياح و صمت الأموات ......
ثم توقف الظل عن الحركة و اطرق برأسه إلى الأرض فرأيت دموعه تتساقط لتنبت في الأرض سنابل وورودا ثم انشأ يقول بهمس و كأنه يحدثني شعرا : -
- من يعزف لي على أوتار الثورة ؟ من يرتل لي موشحات الفتوحات الأولى فتطرب الدنيا من حولي و تفوح صدى الأغنيات , و كأنني أصغي لضحكة الجبل و دندنة السماء , و المح رقصة الوادي و ابتسامة الحياة ؟ والجرح الأندلسي مازال ينزف في صدري و قرطبة و غرناطة ما زالتا تغوران في الأفول , دعني أصغ لتغريد البلابل , دعني ارسم أمنياتي على بياض الثلج و استنشق عبير الورود و اسأل النرجس و السوسن عن سر خجله و نسيم الصباح عن سر عذوبته ,
ثم قفز ظلي الى غصن الشجرة ممسكا بيديه ويلوح بقدميه ، قائلا :
- دعني انطلق و اكتشف أسرار ثورتي العارمة , ها أنا ذقت طعم الحرية , سأخلع عن رقبتي طوق الذل المكسور , و ارفع في سماء ثورتي قصورا من ياقوت و لولؤ و محار لكل فقراء الله , وسأنطلق أعدو نحو مملكة الرجال مترنما بأناشيد الحب .
ترجل ظلي واقفا على ارضية المنتزة وهو يمسح عرق جبينه ، وقد اردف بصوت مبحوح :
- ها أنا أودعك يا سيدي , أيها الثمل دون خمره , أيها النائم دون صحوة , هل نددت يوما بالحكومة الفاسدة ؟ هل لصقت منشورا يطالب بسقوط الأقزام من العروش البائدة ؟ هل تظاهرت يوما مع الجموع الحاشدة ؟ أنت يا سيدي غياب و عذاب و .... و سبات إلى الظهيرة ............

نفد صبري و أنا أصغي لهرطقات ظلي المتمرد , و انفجرت غضبا و حاولت أن امسك بكتفه ...........
تحول فجأة إلى سطل أحمر ... و رشقني بما يحمله من ماء ... صرخت ... ابتل جسدي ... ارتعشت ... فتحت عيوني .....
وجدت نفسي مازلت أمام الشارع المؤدي إلى دارنا و في تلك الظهيرة القاسية , متمددا على الشارع الإسفلتي بعد أن ضربتني الشمس بحرارتها و قد تجمع الناس من حولي ورشقوني بسطل ماء احمر و سمعت لغطا و أحاديث متناثرة : -
- اخبروا زوجته ... أمه ...
- كفى ... لا ترشوا عليه الماء فهذا السطل الثالث ...
- يبدو انه فاق من الإغماء .....
- إنها ضربة شمس قوية ... آب اللهاب .. يدق المسمار بالباب ...
- كان يهذي ... و ياله من هذيان يكسر الرقاب .... لقد شتم الحكومة ...
- لالا ... انه شتم المعارضة .......

استيقظت من الإغماء و عندما فتحت عيوني , بحثت عن ظلي ... وجدته بقربي , وانا مازلت بين ازقة بغداد الحبيبة ، ضحكت و ضحك معي ظلي ..........
كاظم الشويلي



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ


القراءة // عايده بدر

ضحكت و ضحك ظلى معى
عنوان زاخر بكل ما سيأتى فى النص من تفاصيل
ضحكت من نفسى و غربتى عن واقعى و كأن هذا لسان حال البطل:

".... انفصل عني ظلي ........... نعم انفصل وصرنا اثنين , أصبت بالدهشة و الحيرة .....
وهل ينفصل ظل الإنسان عنه ؟!! نعم : ينفصل أو يتواري في حالة الظلام و يختفي و هو داخل البنايات , لكن الذي حدث في تلك الظهيرة أثار عجبي و اندهاشي , لم اسمع و لم أر أن ظل الإنسان ينفصل عن صاحبه "





و على نفس الوتيرة نرى البطل محدثا نفسه : حين إنفصل ظلى عنى كنت أنا أيضا منفصل عن عالمى الكبير ،، أعيش داخل نفسى ،، مالي و الدنيا و ما يجري فيها ،، صامت مكتفى باللافعل دائما:

" منذ ولادتي و أنا صامت , أحيا في دهاليز من الصمت .
سألته مستغربا :
- و ماذا حدث حتى تتركني أيها الظل العزيز دون وداع ؟ أنا لم اخدش مشاعر أي مخلوق في الدنيا, عد لرشدك .....

مد يده اليسرى و اتكأ بها على شجرة رمان فارعة الطول و طفق يحدثني بأسى , و نشيجه يرتفع كطفل بريء : -
- مللتك , كرهتك ......... أنا يا سيدي ثورة , و هدير أمواج ثورتي تجرفني للتمرد عليك, , أنا لا ادعي ذلك عبثا أو غرورا فأنا أحمل هما يكبر عمري بعشرات العصور , أنت خاو يا سيدي لا أسمع منك سوى عويل الرياح و صمت الأموات ......"




لذلك كان الإستغراب من إنفصال الظل عن البطل ليس من الفعل نفسه
هو إستغراب فقط مما يحدث بدليل أن البطل إستكمل رحلته مع ظله حتى النهاية ،
و فى منولوج ثائر نرى البطل و قد تنحى للظل عن دوره ليتخذ مقعد المستمع
و يصبح الظل هنا هو سيد الموقف ،، حين يواجه البطل بحقيقته و يقدم له مبرارت إنفصاله عنه:

"ثم توقف الظل عن الحركة و اطرق برأسه إلى الأرض فرأيت دموعه تتساقط لتنبت في الأرض سنابل وورودا ثم انشأ يقول بهمس و كأنه يحدثني شعرا : -
- من يعزف لي على أوتار الثورة ؟ من يرتل لي موشحات الفتوحات الأولى فتطرب الدنيا من حولي و تفوح صدى الأغنيات , و كأنني أصغي لضحكة الجبل و دندنة السماء , و المح رقصة الوادي و ابتسامة الحياة ؟ والجرح الأندلسي مازال ينزف في صدري و قرطبة و غرناطة ما زالتا تغوران في الأفول , دعني أصغ لتغريد البلابل , دعني ارسم أمنياتي على بياض الثلج و استنشق عبير الورود و اسأل النرجس و السوسن عن سر خجله و نسيم الصباح عن سر عذوبته ,
ثم قفز ظلي الى غصن الشجرة ممسكا بيديه ويلوح بقدميه ، قائلا :
- دعني انطلق و اكتشف أسرار ثورتي العارمة , ها أنا ذقت طعم الحرية , سأخلع عن رقبتي طوق الذل المكسور , و ارفع في سماء ثورتي قصورا من ياقوت و لولؤ و محار لكل فقراء الله , وسأنطلق أعدو نحو مملكة الرجال مترنما بأناشيد الحب ."




ثم تأتى خاتمة القصة فى شكل مفارقة قوية يوظفها الكاتب بطريقة رائعة حين يتحول الظل سيد الموقف الى أداة لإيقاظ البطل الغافل عما يدور حوله و أن تشكل فى صورة الماء الذى يفيق به الغائب عن الوعى ،، فقد كان قبلا الضمير المحاسب للبطل على تخاذله و تقاعسه عن المشاركة فيما يدور حوله من مشاغل الحياة و أمورها :

"تحول فجأة إلى سطل أحمر ... و رشقني بما يحمله من ماء ... صرخت ... ابتل جسدي ... ارتعشت ... فتحت عيوني .....
وجدت نفسي مازلت أمام الشارع المؤدي إلى دارنا و في تلك الظهيرة القاسية , متمددا على الشارع الإسفلتي بعد أن ضربتني الشمس بحرارتها و قد تجمع الناس من حولي ورشقوني بسطل ماء احمر "



حوار قصير يدور بين المتجمعين حول البطل نكتشف من خلاله نظرة المجتمع لمن يفكر فى مناقشة أحوال مجتمعه "إنها ضربة شمس قوية " و كان من يفكر بمعالجة أمور مجتمعه فى نظر البعض مصاب و يجب معالجته ،، و هنا كانت الإفاقة من الهذيان "شتم الحكومة"/ " شتم المعارضة" فإعمال الفكر نفسه هو القضية بغض النظر عن الفعل ،،، أن يستوى عند البعض مناهضة الحكومة و مناهضة المعارضه فالأمر خطير ،،، هنا تصبح محاكمة الفكر هى القضية :


و سمعت لغطا و أحاديث متناثرة : -
- اخبروا زوجته ... أمه ...
- كفى ... لا ترشوا عليه الماء فهذا السطل الثالث ...
- يبدو انه فاق من الإغماء .....
- إنها ضربة شمس قوية ... آب اللهاب .. يدق المسمار بالباب ...
- كان يهذي ... و ياله من هذيان يكسر الرقاب .... لقد شتم الحكومة ...
- لالا ... انه شتم المعارضة .......




نهاية القصة و قد أفاق البطل ليبحث عن ظله الذى فقده للحظات معدودة فيجده بقربه يضحك منه أو ربما عليه و على أحواله :

"استيقظت من الإغماء و عندما فتحت عيوني , بحثت عن ظلي ... وجدته بقربي , وانا مازلت بين ازقة بغداد الحبيبة ، ضحكت و ضحك معي ظلي .......... "




بعد إستعراض حياة البطل فى لحظات فقده لظله ،،،فهل ستتغير نظرة البطل الى حياته السابقة؟؟ هل من جديد سيطرأ على حياته؟؟
ربما يتحول البطل إلى أحد الثوار !!! أو ربما يكتفى بتلك اللحظات
التى دارت بينه و بين ظله /ضميره ... هذا ما تركه لنا الكاتب
لنصنع نحن النهاية كما تترآى لنا و حسبما تتفق و شخصياتنا .
أنا شخصيا أميل إلى النهايات المفتوحة فهى تعطى بارقة أمل بالتغيير

أستاذى الفاضل
كاظم الشويلى
سمحت لنفسى بقراءة عالية الصوت لقصتكم

أسلوب سردى ممتع كادت التفاصيل الشديدة أن تميل به فى اتجاه مضاد
لكن ما يحسب لك هنا وجوب خلق خلفية واضحة للمتلقى كى يستطيع ربط الاحداث فغرابة فكرة إنفصال الظل ربما كانت توقع القارىء فى حيرة
لكن تتابع الاحداث دون ملل حال دون ذلك .

ربما كانت اللغة فى أغلب المشهد تميل نحو الشاعرية لكن ذلك لم يقلل من قيمة النص ،، بل أعطاه تميزا واضحاً .

تأتى المفارقة فى النهاية و هى معالجة بشكل رائع أجدت فيها و فى الربط بينها و بين البداية فمن بعد الثورة الداخلية يمضى البطل و ظله يضحكان سويا ً.

شذرات كثيرة من هنا و هناك لأحوالنا السياسية و الإجتماعية و لكن ما لفت نظرى هنا استشهاد البطل/ الظل / الضمير بما حدث قديما فى الاندلس و غرناطة رغم أن الجرح الأقرب ماثل أمامه و حوله فى بلاده هو شخصيا و فيما حوله ليس ببعيد .


عايده بدر
9-10-2010





رؤية في نص -بحر الندى- الاديب المسرحي نعيم الأسيوطي / عايده بدر




بحر الندى

مع كل صباح تتساقط حبات الندى تروي عيدان الأرض الخضراء إلا نبات الوحدة .
فسالت أبى عن اسمه فقال : نبات .. نبات ........
فربطت بينه وبين انساب البشر – وقلت لنفسي : العرق يمد لسابع جد . فغمرني أبى بأصابعه الغليظة في قلبي .. فتألمت .. وسقطت من عيني قطرات من الدموع بلون حبات الندى ولكنها لم تسق عيدان الحزن المتشعبة مثل نبات الهلوك في قلبي ويشق طريقه ببطء إلى عقلي .. وبعد لحظات أزعجني صوت حانوتي البلدة : وحدوه .. وحدوه .. إنا لله وإنا إليه راجعون .
فأحسست أن الموت يلمس جسدي وتمنيت أن أودع كل من كرهني .. فهبت ريح باردة .. أصبت على أثرها ببنج النوم .. ورأيت كابوس عمري ينتهي بثلاث موتات : ذبحة .. سكتة .. جلطة . والناس حولي يشيرون إلى عيدان الأرض اليأبسه .. ولم يوقظني من هذا الكابوس المزعج إلا صوت أبى : هتطلع الجبانة وراء المرحوم .. ها .. هتطلع .. ولا ....
فتركت أبى وأسرعت إلى ارض الله لعلي أجد حبات الندى لتغسل حزني داخل ارضي .. فرفعت كفي إلي السماء كي التقط حبات الندى .. فتسلل ضوء الشمس إلى عيني .. فاستيقظت .. وضحكت وبكيت .. وما زلت ابكي وأضحك حتى شق الندى بحرا داخل ارضي .. بل قلبي .

***
( القصة الفائزة بالمركز الأول عن مسابقة شهر رمضان )
نعيم الاسيوطي
مساء الأربعاء
12/11/2008










القراءة // عايده بدر


ككل صباح يأتي و يمر ...يظل النبات في انتظار الندى ... هل تصلح للنبات حياة دونه و هل يقوى الندى على ألا يلامس خد الورد هنا أو يداعب أنامل النبات هناك ... يستحث الشمس ألا تظهر الآن بأشعتها فتخطف من الندى بهائه و تزيد من شقاء النبات ...

ككل صباح ينتظر هو قطرات من الندى تحمل بشرى اخضرار الأيام إلى قلبه .. يتأمل ما حوله هذا نبات الوحدة لا يصل إليه الندى .. هل رفض الندى أن يلامس بحنان هذا النبات القاسي أم أن هذا النبات كالبشر نافر دائما و بعيد عمن حوله أم الإثنان معا رفضا أن يلتقيا فلا سبيل لقلب تصحر و اكتسح الجليد أرضه و سماؤه .....

هو يتأمل و يربط بين النبات و البشر و هل كنا إلا نسيج واحد الروح التي تحملنا واحدة لنصنع لوحة الوجود ... ليكتمل بنا البناء ... لنسد فراغات العدم بين الأحياء على أرض تصحرت من الغربة و الوحدة و الشقاء....

الموت هو ما يمزق ستر الحياة ... يبعد الأحباء نعم ... يفرق المجتمعون صحيح و لكنه احيانا يهب الحياة للبعض الآخر فيعيدون من خلاله اكتشاف أنفسهم من جديد ... من جنازة للغريب تمر أمام عينه تذهب معها روحه لحلم يرى نفسه هو الغريب السائر نحو الموت ... تتعدد الوسائل " جلطة - ذبحة - سكتة " هل هي مصادفة أن تكون كلها أمراض لا تصيب إلا القلب ؟ موطن نبات الحزن ؟ و الناس يشيرون لعيدان يبست في الارض
و هو يشير لعيدان يبست في القلب ؟ أما كانت الجنازة السائرة أمامه هي من حركت حلمه في منامه أو يقظته في حلمه أو حلمه في يقظته ... هنا اختلاط الحلم باليقظة لم يعد هذا حلم و هذه يقظة هناك وحدة تجمع بينهما ... هناك شعور يسري في القلب بالجفاف و رغبة في سقيا من الندى لعلها تنقذ هذا القلب أخيرا من الإصابة بالتوقف عن الحلم .......

لا تبحث الأرض الميتة عن سقيا و لا القلب الميت كذلك فإذا بحثت و اشتاقت لهذه السقيا فهذه الأرض حية تعيش و إن كان الجفاف يهدد أمنها
كذلك القلب طالما يشتاق إلى الندى فهو حي و إن انتشر فيه الهالوك و ضرب أرضه الجفاف و لكن هنا ليسقي أرض قلبه كان لابد له من مزيد من غرق القلب ... بالدموع ... وحدها تعرف كيف تحي الأصفر و تمنحه اخضرار الحلم .....

وحدها قطرات الدمع تغسل القلب و ترويه كما يروي الماء الأرض و يبث فيها ركائز الحياة مع كل انهمار للدمع تشرب القلب شعور الحياة ... مع كل سقيا للأرض تشرب الأرض شعور الحياة لذلك لا عجب أن يحيا النبات بداخل قلبه حينما يتوجه لأرض الله ...

الأرض التي تحمله ...و الارض التي انجبته ...و الأرض التي تحتضنه ... و الأرض التي تزرع بداخله كل ما يعرف ..............هي الأرض هي المرأة هي الحياة و هي الموت أيضا حين تصفر و تتشقق

و هو هناك حيث الأرض ... حيث الشمس ... حيث الندى يسقي بوار الشعور بالحياة في قلبه ليحمل معه شعور الوجود ... يعدو ليكون موجودا ... يعدو نحو الأرض الخضراء ... يفتح قلبه ليستقبل الآن الندى الذي بدأ يشق طريقا في قلبه ... الآن الندى يتجمع ليصبح بحرا يسقي منه جدباء القلوب و الأرواح........ليصبح هو و الأرض و الموت وحدة لا تتجزأ و كثرة تعرف كيف تتوحد ......

أستاذي الراقي
نعيم الأسيوطي
ممتع الغوص في بحر الندى و لعلي أفلحت
في لوحاتك الفنية التي ترسم بالكلمة
تلجأ للرمز و تخيطه بنسيج الحدث فيبدو البعيد قريبا
و الربط بين النبات و الإنسان و الوجود ثلاثية أجدت تضفيرها
لتصنع منها جديلة العمة بهية ... جديلة الأرض ...و عدمية الموت
هنا ليست عدم كما نتخيل هي العدمية التي تمنح الحياة لتصنع هذا البحر
الأرض لديك أستاذي هي محور الحياة منها و إليها تخرج و تعود
و الأرض هنا ليست أي أرض هي الأرض الخضراء
أرض الجرف... أرض الحياة و أرض الموت هي أنت
بكل ما يمكن أن تمثله لك الأرض ...

القصة من حيث المضمون بلغت فأوفت حقا
يتبقى الشكل و القالب هنا لي وقفة أستئذنك فيها :
الأسلوب هنا لم يكن من التمكن الذي رأيناه في قصصك الأخرى
و ربما هذه القصة بذلك الأسلوب تعتبر من أوائل ما كتبت
فالحبكة تضعف أحيانا و المباشرة ربما تغلب على بعض العبارت فيصبح الطرح هنا مباشرا بصورة واضحة ...لكن ما يحسب لك أنك استفدت من التفاصيل التي قدمتها هنا فلم نشعر بثقل هذه التفاصيل و كذلك اللغة تحتاج إلى بعض تدقيق و تكثر هنا استخدام حروف العطف خاصة حرف " فـ" و هذا ربما يجعل القارىء يلهث أحيانا وراء الحدث رغم أنك بالتأكيد كنت ترمي لعدم تسرب شعور الملل لديه ....


عايده بدر
9-10-2010





رؤية في نص " أفزعتني " للمبدع جوتيار تمر / عايده بدر



رؤية في نص " أفزعتني "
للمبدع جوتيار تمر / عايده بدر




أفزعتني..... / جوتيار تمر
صوت المنبه ارتفع فجأة في رنين غير منقطع..خرق الصوت أذني حتى وصل مني العظم.. حاولت أن أتجاهل الصوت..فغطيت رأسي .. لكن الصوت كان أعند مني.. أخرجت يدي من تحت الغطاء دون رأسي لأوقف المنبه.. بحثت أمسكت بشيء قد يكون هو..رميته أرضا سمعت صوت شيء ينكسر..في نفسي أظنني قضيت عليه.. لكن الصوت ظل يرتفع شيئا فشيئا..أدركت بأني لم أنته منه بعد..وضعت المخدة على رأسي وبدأت أتقلب في فراشي..لكن دون جدوى... عدت أُتمتم لقد هزمني المنبه.. أخرجت رأسي.. مددت يدي إلى المنبه الذي كان قريبا جدا مني فقتلت الصوت فيه.. بقيت مسترخيا أتلذذ ببقايا النوم الذي كان لم يزل يغمرني بأمانه.. ولا أعلم كيف وقعت عيني على المرآة أمامي حيث بدأت أتاملها بغرابة وكأني لأول مرة التقيها في غرفتي..لم تكن المرآة هي ما تثيرني بقدر ما أثارتني صورة تعكسها المرآة.. صورة طفل عيناه دامعة وهو بين أحضان أمه حيث يداها تلفانه وكأنها تضمه لتبعده عن الكواسر ومذابح البشرية.. بدأت الأفكار والهواجس تتقاذف في ذهني كما زخات المطر تتقاذف عندما ترتطم بصخرة جاحدة..شعرت بقشعريرة تسري في جسدي..لهول الأفكار التي داهمتني...طفل في حضن أمه وبين يديها ويبكي..إذا فكيف يكون حال من لا يجد حضنا يأويه...لا يجد أما تناديه ب(ماما).. حنانا تغمره عندما تشتد الأيام عليه..عندما تضايقه الأقدار وتسلب منه الأمان..عندما تصبح الحياة مجرد لعبة أزلية بيد من هم لا يستحقونها يعبثون بها...وأنا في غمار الهواجس والأفكار هذه تخيلت نفسي وأنا أعيش الحالة هذه ومن شدة هولها اعتدلت جالسا وصدري فيه بركان من الألم والحرقة..كنت أتمنى لو أنها (...) لم تهدني هذه اللوحة التي فيها أرى حرقتي وعذابي..كنت أتمنى لو أنها لوحة أخرى أي شيء آخر غير هذه التي أثارت في الألم والوجع والخوف من يوم قد يأتي وأجدني بلا حضن..بلا.. من أناديها (ماما)...فكرت أن أنزعها من جدار غرفتي وأضع بدلا عنها..لوحة أخرى...لكن ماذا يمكنني أن أضع مكانها... كنت لم أزل في الفراش جالسا مغروسا كشجرة تأبى أن تتخلى عن جذورها برغم الإعصار الذي بات يهددها...حاولت أن أجد ما قد يشغلني عنها فنظرت إلى النافذة التي تطل على الشارع..لكنه كان مهجورا.. فقلت في نفسي المنبه كان يريد مني أن استيقظ لسبب ما..فكرت بالأمر الذي جعلني أعد المنبه لهذا الوقت..لكن هواجس اللوحة طغت على كل شيء وجدتني أعود إليها غصبا..قسرا..وفي لحظة ما ولا أعلم كيف قررت أن أنزعها.. فخرجت من فراشي..ومددت يدي إليها ونزعتها وكأني أنزع شيئا لا ينزع هكذا دب شعور خفي في أعماقي..لكني عاندت نزعتها ووضعتها خلف المكتبة حتى لا أراها...فكرت أن أضع بدلا عنها لوحة أخرى ..لكني لم أكن أملك بديلا لها..همست لا بأس عندما أخرج إلى السوق اشتري لوحة لأضعها مكان التي نزعتها...تذكرت حينها بأني على موعد مع صديقة للذهاب إلى السوق لشراء هدية عرس لأحد زملائنا...خرجت...وفي المساء ونحن نستعد للعودة تقول لي الصديقة بأنها تريد أن تسلمني أمانة وصت بها أختها الصغيرة.. والأمانة كانت لوحة حجمها أصغر بقليل من تلك التي نزعتها من على جدار غرفتي.. أخذتها..شكرتها...عدت للبيت...دخلت غرفتي...فتحت هديتي... آه...أه...إنها لوحة جميلة جدا...طفل وحيد ليس معه أحد..يبكي على رصيف مكتظ بالناس....نظرت إلى المكتبة..سرت إليها.. أخرجت لوحتي القديمة.. وعلقتها ووضعت الجديدة في مكان القديمة خلف المكتبة.. دب شعور قاس في أعماقي وكأنها رسالة مجهولة لي..وأتذكر بأني كنت أتمتم مع نفسي إنها أفزعتني...أفزعتني.






رؤية عايده بدر:

أفزعتني.....




البداية تقابلنا من عنوان النص " أفزعتني" وتوقف أمام العنوان لوهلة يجعلنا نتسآل : من أفزعه؟ / ماالذى أفزعه؟ هل ما أفزعه كائن حى أم جماد ،،، يجيبنا على الفور

:



"




صوت المنبه ارتفع فجأة في رنين غير منقطع..خرق الصوت أذني حتى وصل مني العظم.. "





رنين الالة يقابلها فعل الفزع ،،، و رغم المحاولات المستمية التى قامت بها الإداة المسخرة هنا لإيقاظ النائم و يقوم هنا " المنبه " بهذا الدور و تجاهل هذا الرنين الذى لا ينقطع من البطل لم يوقف الالة عن عملها المسخرة له




.

و ربما نجد القاص يلجأ إلى إستخدام الإسم المتعارف عليه للألة للدلالة اللفظية لها فهو " منبه" عملا و إسما ،، القاص يريد أن يؤكد على فاعلية أداته فى الإيقاظ ،، فلم يكن رنين الهاتف و لا طرق الباب ،، هو يريد هذه الأداة لما لها من دلالة فى الإسم تطابق المعنى ايضا




:





"




حاولت أن أتجاهل الصوت..فغطيت رأسي .. لكن الصوت كان أعند مني.. أخرجت يدي من تحت الغطاء دون رأسي لأوقف المنبه.. بحثت أمسكت بشيء قد يكون هو..رميته أرضا سمعت صوت شيء ينكسر..في نفسي أظنني قضيت عليه.. لكن الصوت ظل يرتفع شيئا فشيئا..أدركت بأني لم أنته منه بعد.."






هنا يتجه البطل إلى عدة حلول يقدمها لنفسه حتى يتخلص مما يؤرقه و لكن يبدو أن طريقته لم تفلح و لم تثمر فما زال الصوت يطن كنحلة و يرتفع شيئا فشيئا حتى يعم الصوت المكان و يطغى على ما سواه و هنا يدرك البطل أنه لا حيلة له سوى الإستسلام لهذا الصوت القادم من اللامكان ،، الألة هنا فقدت وظيفتها كآلة لتصبح إسقاطا لصوت لا يسمعه إنما يستشعر وجوده ،، يصر على إيقاظه مهما كلفه الامر حتى يستسلم له و ينتصر الصوت رغم أن فعل القتل وقع على هذا الصوت إلا أنه نجح أخيرا فى إيقاظ النائم ،،، و لكن هل إستيقظ وعى البطل و عقله أم إكتفى بهروب النوم من عينيه




:



"




وضعت المخدة على رأسي وبدأت أتقلب في فراشي..لكن دون جدوى... عدت أُتمتم لقد هزمني المنبه.. أخرجت رأسي.. مددت يدي إلى المنبه الذي كان قريبا جدا مني فقتلت الصوت فيه.. بقيت مسترخيا أتلذذ ببقايا النوم الذي كان لم يزل يغمرني بأمانه.."







ت




بدأ من هنا عقدة الحدث ،، بعد أن أفاق مرغما و فى حركة دائرية لإستكمال نومه يتوقف فجاة على صورة تعكسها المرآة أمامه و كأنه يراها للمرة الأولى،، بالتأكيد هو رآها من قبل و هى ليست حديثة عهد به ،،، فلماذا أفزعته الان ؟؟؟




"




ولا أعلم كيف وقعت عيني على المرآة أمامي حيث بدأت أتاملها بغرابة وكأني لأول مرة التقيها في غرفتي..لم تكن المرآة هي ما تثيرني بقدر ما أثارتني صورة تعكسها المرآة.."






ما الصورة التى أفزعته و جعلت النوم الذى كان يستلذه و ينوى استكماله يتوقف فى عينيه و يتوقف هو التفكير فى معاودته؟؟؟

صورة طفل يبكى فى احضان أمه رغم أنها تحيطه بحنان و رقة و كانها تخبئه فى أحضان قلبها بعيدا بعيدا عن أى أذى أو شر و رغم ذلك هو يبكى




:

"




صورة طفل عيناه دامعة وهو بين أحضان أمه حيث يداها تلفانه وكأنها تضمه لتبعده عن الكواسر ومذابح البشرية.. "





الصورة تسيطر على وعى البطل حتى لا يكاد يلتفت إلى ما سواها ،، إنها تتسرب إلى وعيه و إدراكه و ربما تسربت إلى عقله الباطن فأحييت ذكريات دفينة تناسها فى غمار ما تاخذنا به الحياة ،،، و هنا تقاذفته الهواجس :ماذا عمن لا يجدون مثل هذا الحضن الدافىء ؟؟ ماذا عمن لا يجدون من يصد عنهم شرورو الحياة؟؟؟ ماذا يفعلون ؟؟ ماذا يفعل الطفل الذى حرم من نعمة أن يكون لديه أم... و الأم بما تمثله من حنان و أمان هى الرادع الوحيد فى ذهن البطل لصد أى خطر يحيط بطفلها ،،، و هنا همسة شديدة الحساسية حين يقرر البطل حقيقة واقعة و مؤلمة أن الحياة أصبحت لعبة فى يد من لا يستحقونها يعبثون بها كيف يشاءوا و من ثم فإنههم فى لعبتهم هذه يحرمون الكثير من الأطفال أن يكون لهم من يحميهم و يصد عنهم الخطر،، هنا إسقاط لما تفعله السياسة و الحكم من اللعب بمصائر البشر ،،، كم طفل حكم عليه باليتم لمجرد أن الساسة أمروا بذلك فأضرمت حروب و دمرت قرى و تيتمت أطفال من جراء ذلك كل ذلك و هم مشغولون بلعبة الحياة الازلية حيث البقاء فيها للإقوى كما الغابات




:



"




بدأت الأفكار والهواجس تتقاذف في ذهني كما زخات المطر تتقاذف عندما ترتطم بصخرة جاحدة..شعرت بقشعريرة تسري في جسدي..لهول الأفكار التي داهمتني...طفل في حضن أمه وبين يديها ويبكي..إذا فكيف يكون حال من لا يجد حضنا يأويه...لا يجد أما تناديه ب(ماما).. حنانا تغمره عندما تشتد الأيام عليه..عندما تضايقه الأقدار وتسلب منه الأمان..عندما تصبح الحياة مجرد لعبة أزلية بيد من هم لا يستحقونها يعبثون بها..."






هنا تكمن معاناة البطل ففى الصورة المنعكسة فى المرآة لم يجد سوى صورة طفل تحيطه أمه بحنانها و مع ذلك فهو يبكى خوفا من ضياع الأمان،،، البطل هنا يتخيل نفسه مكان هذا الطفل الباكى فى أحضان أمه




..

"




وأنا في غمار الهواجس والأفكار هذه تخيلت نفسي وأنا أعيش الحالة هذه ومن شدة هولها اعتدلت جالسا وصدري فيه بركان من الألم والحرقة.."





وأعتقد هنا أن الأمر ليس مجرد تخيل , فى رأيى أن المرآة لم تعكس صورة الطفل فى اللوحة بقدر ما عكست صورة الطفل فى داخل البطل ,, الطفل المفتقد لحنان الأم و الأم هنا يجوز أن تكون الأم المرأة/ الحبيبة / الأرض / الوطن ...هى الأم فى أى صورة كانت و ربما ما أفزع البطل هنا ليس سوى مقدرة المرآة على عكس صورة الطفل الذى عانى الالم بداخله هو ,,أما فزعه من إنعكاس الصورة فـ لآنه و رغم مواجهته للصورة صباحا و مساءً فهو للمرة الأولى يتقابل الطفل بداخله مع الطفل الباكى فى الصورة : الطفل داخل البطل و الطفل فى الصورة وحد بينهما الفزع ,,فعكست الصورة معاناة الطفلين و ألمهما و عذابهما




.

"




كنت أتمنى لو أنها (...) لم تهدني هذه اللوحة التي فيها أرى حرقتي وعذابي.."







و رغم ما يظهر فى حديث البطل لنفسه فيما بعد بأنه يخاف أن يأتى يوم و لا يجد من يناديها "ماما" أعتقد أنه محاولة من القاص ليجبر القارىء على عدم الغوص فى شخصية البطل و الإكتفاء بالتوجه نحو الصورة المنعكسة فى المرآة .و الخوف هنا هو خوف من تكرار تجربة الفقد ,, فقد الأمان مرة أخرى




.

"




كنت أتمنى لو أنها لوحة أخرى أي شيء آخر غير هذه التي أثارت في الألم والوجع والخوف من يوم قد يأتي وأجدني بلا حضن..بلا.. من أناديها (ماما)..."





يحاول البطل الخروج من حصار اللوحة له فالصورة المنعكسة على المرآة قد حاصرته و كبلته و سيطرت على وعيه و إدراكه بصورة أصبح من المستحيل مع وجودها التشاغل عن التفكير فيها بعمل آخر




:

"




فكرت أن أنزعها من جدار غرفتي وأضع بدلا عنها..لوحة أخرى...لكن ماذا يمكنني أن أضع مكانها... كنت لم أزل في الفراش جالسا مغروسا كشجرة تأبى أن تتخلى عن جذورها برغم الإعصار الذي بات يهددها...حاولت أن أجد ما قد يشغلني عنها فنظرت إلى النافذة التي تطل على الشارع..لكنه كان مهجورا.. فقلت في نفسي المنبه كان يريد مني أن استيقظ لسبب ما..فكرت بالأمر الذي جعلني أعد المنبه لهذا الوقت..لكن هواجس اللوحة طغت على كل شيء وجدتني أعود إليها غصبا..قسرا.."





إعتقد البطل أنه أستطاع الإنتصار على تلك اللوحة بنزعها عن الحائط فى عملية شاقة و كأنها تأبى أن تنتزع,, ترفض أن تغادر مكانها و لكنه إنتزعها و أخفاها و قرر أن يستبدلها بأخرى




:

"وفي لحظة ما ولا أعلم كيف قررت أن أنزعها.. فخرجت من فراشي..ومددت يدي إليها ونزعتها وكأني أنزع شيئا لا ينزع هكذا دب شعور خفي في أعماقي..لكني عاندت نزعتها ووضعتها خلف المكتبة حتى لا أراها...فكرت أن أضع بدلا عنها لوحة أخرى ..لكني لم أكن أملك بديلا لها.."




البديل الذى قرره البطل ليحل محل ما يؤلمه يصبح أشد قسوة و ألما ,, لا يقدم الحل للمعاناة بل يزيدها و يفصح لنا عن المزيد منها المختبىء فى نفس البطل ,, لوحة أخرى لطفل آخر ,, بكاء آخر لطفل آخر ,, طفل معه أمه و يبكى مفتقد الأمان و طفل وحده وسط الجموع الوفيرة من البشر و يبكى أيضا مفتقداً الأمان ,, يتكشف لنا هنا مفهوم القاص عن الأمان , هو ليس حضن الأم الانسان , هو حضن الأم الوطن فبكاء الطفلين و عدم الشعور بالأمان لم يخفف من وطأته وجود الأول بين أحضان أمه الأنسان و الآخر الوحيد بلا أم ووسط الناس و مع ذلك كان يبكى ,,, الشعور بالوحدة و فقدان الأمان هو محرك الاحداث هنا




..

إذن اللوحة البديلة لم تقدم الحل للبطل فمن تمتمته لنفسه يكتشف هو أن ما كان يعتقد انه أفزعه و أعتقد أنه يستطيع تغييره لم يكن صحيحا فعاد الى لوحته القديمة و طفله الباكى فى اللوحة ,, لم يعد يفزعه بعد الآن فحتى الآتى لا أمل فيه و ما حسب أنه تغيير للأفضل لم يكن سوى صورة أخرى من صور المعاناة .. و الطفل داخله و خارجه واحد يعانى فى كل الأحوال ,, الطفل فى لوحته و الطفل فى لوحات الآخرين يعانى نفس المعاناة .لا أمان و لا حلم آتى طالما كانت الحياة لعبة أزلية فى يد من لا يستحقونها يعبثون بها و بنا :


"




همست لا بأس عندما أخرج إلى السوق اشتري لوحة لأضعها مكان التي نزعتها...تذكرت حينها بأني على موعد مع صديقة للذهاب إلى السوق لشراء هدية عرس لأحد زملائنا...خرجت...وفي المساء ونحن نستعد للعودة تقول لي الصديقة بأنها تريد أن تسلمني أمانة وصت بها أختها الصغيرة.. والأمانة كانت لوحة حجمها أصغر بقليل من تلك التي نزعتها من على جدار غرفتي.. أخذتها..شكرتها...عدت للبيت...دخلت غرفتي...فتحت هديتي... آه...أه...إنها لوحة جميلة جدا...طفل وحيد ليس معه أحد..يبكي على رصيف مكتظ بالناس....نظرت إلى المكتبة..سرت إليها.. أخرجت لوحتي القديمة.. وعلقتها ووضعت الجديدة في مكان القديمة خلف المكتبة.. دب شعور قاس في أعماقي وكأنها رسالة مجهولة لي..وأتذكر بأني كنت أتمتم مع نفسي إنها أفزعتني...أفزعتني .



عايده بدر
21-6-2009