قراءة في نص "أنياب الشمس" للمبدعة القديرة أحلام المصري / عايده بدر
أنيـــــاب الشمس
...
كان الحلم يلهو تحت شجرة الليل
انتفض الوقت ثائراً..صفع الحلم
وعلّق الشمس على رأسه...كيداً
أنياب الشمس
عنوان يبدو للوهلة الأولى يحمل قسوة ، وحشية وعنفواناً فالشمس التي هي مصدر الضوء على الأرض ... منها تستمد الكائنات أنفاس الحياة أصبحت في ومضتنا هنا لها أنياب ما حفزنا لتأمل هذه الصورة الغريبة
التي تبدو فيها الشمس مصدر الحياة على الأرض تحمل أنياباً وحشية تفترس بها بدلاً من أن تعطينا الحياة فإنها هنا تأخذها وتريق دمها بلا هوادة ... هذه الصورة الشعرية غريبة التركيب لابد وأن لها ما يبررها من وجهة نظر الشاعرة
وربما مع محاولات فتحنا لأبواب الومضة باباً تلو باب نستطيع أن نعرف لماذا بدت الشمس بهذه الشراسة والتوحش
كان الحلم يلهو تحت شجرة الليل
الزمان ... ليلاً
المكان ..... تحت شجرة الليل
كان الحلم يلهو .....الصورة مجسمة بأبعادها الثلاثية .. نرى الحلم طفلاً يلهو وفي الطفولة براءة جميلة ... نتصور معها مدى براءة الحلم الذي لم يلتفت إلى الوقت (الليل) والذي قد لا يحمل معه كثيراً من الطمأنينة التي بدا لنا أن الحلم كان يستند عليها لتجعله هكذا يلهو مطمئناً
كان لهو الحلم تحت الشجرة يرسم صورة حالمة ليس فيها ما ينقض من طمأنينته شيئاً أو هكذا بدا له ... ورغم أن الليل غالباً ما يحمل لنا الراحة والسكون ويكون مجالاً طبيعياً لطلب راحة الجسد ومن ثم الروح لكنه أيضاً يحمل معه أصداء أخرى من الخوف والمجهول الذي لا نعلمه ... إن الحلم هنا لم ينتبه للجانب المجهول من الليل واكتفى بالأمان الذي كان يستند عليه إذ أن ما تلا ذلك من صور لم تكن ضمن حساباته المتوقعة...
انتفض الوقت ثائراً..صفع الحلم
نحن هنا أمام حدثين أفضا إلى بعضهما البعض .. بحيث تعلق الثاني بالأول وترتب عليه .. فبعد أن شاهدنا الحلم يرفل بسعادة أسفل شجرة الليل ويلهو في اطمئنان ... "انتفض الوقت ثائراً" فلماذا ثار الوقت ؟ والوقت في تعريفه هو جزء محدد من الزمن .. فهل انتفض الوقت ثورة ضد استيلاء الحلم على الليل؟ كأنه شعر بمحاولة حصار الحلم لكافة أجزائه .. فلم يترك له متنفساً .. أو أنه أراد أن يملأ كل الوقت ... فكان انتفاضه مصحوباً بثورة بدت عنيفة من جراء الفعل الثاني الذي يقابلنا
حيث "صفع الحلم" هنا نتيجة لانتفاضة الوقت وثورته العارمة... جاءت صفعة الحلم هنا فجائية عنيفة .. وبالتأكيد أنها لم تكن ضمن ما حسابات الحلم وإلا لانتبه إلى هذا الأمر .. تتعدد الأسئلة في ذهن القارئ هنا : لماذا انتفض الوقت؟ لماذا كانت الثورة ؟ وماهية هذه الصفعة التي تلقاها الحلم ؟
وعلّق الشمس على رأسه...كيداً
لعل في الجزء الأخير من الومضة ما قد يفتح لنا بعض أبواب الإجابة ... إذا كان السؤال بكيف ولماذا وماهية ووو؟ فإن الإجابة تأتينا مع نهاية الومضة وفي آخر كلمة فيها "كيداً" التي حين نقرأها نرى أن كل ما حدث للحلم من انقلاب خطير في مساره كان للكيد به .. لكن كيف حدث ذلك هو ما تجيبنا عليه بداية الجملة " علق الشمس على رأسه" ويالها من إجابة قاسية .. فنحن بمجرد أن نقرأ العبارة ونشعر بهذا الانتقال الكلي بين الليل والنهار .. نستطيع أن نستشعر هذا الطقس الذي كان الحلم يلهو فيه تحت شجرة الليل وفي الليل يكون الطقس لطيفاً يحمل نسمات باردة منعشة وإلا ما استطاع الحلم أن يلهو تحت شجرته .. ثم يحدث هذا الانتقال القوي من اللطف والانتعاش والبرودة إلى الحرارة والقيظ الذي تدلنا عليه كلمة "الشمس" بكل ما نتصوره من حرارة شديدة
هل نتخيل كيف تُعلق الشمس فوق رأس الحلم ؟ نشعر بما شعر به من فجائية الوجع .. هكذا كانت صفعة الوقت له بكل ما حملت من ألم ... هكذا كانت الصفعة التي غيرت مسار الحلم .. ولعلنا بهذا علمنا كيف تكون للشمس "أنياب" تنهش الحلم وتوقظه غصباً وتنقله من حيث الأمان والسلام الذي كان ينعم به إلى أرض الألم وقيظ الوجع
كانت الحالة الزمنية التي اعتمدتها الشاعرة هنا هي الماضي من الأفعال والتي تمنحنا دلالة انتهاء الفعل وتحققه كاملاً وانتهائه في الماضي ... كانت سرعة الإيقاع التي تتميز بها الأفعال الماضية واضحة في الومضة التي تميزت بالحركة السريعة والحيوية والانتقال السلس بين الأفعال فجاءت الومضة في صورتها التي جمعت بين الشاعرية والسردية معاً تحمل من الجمال في تراكيبها وصورها ما يجعلنا نقف أمامها متأملين بكل تقدير واعتزاز
عايده بدر
16-8-2021
26-9-2021