قراءة في نص المومس المدعية / للشاعر المبدع جوتيار تمر / عايده بدر
المومس المدعية
جوتيار تمر
ظلام ونشوة.........أنثى أنهكها حضن الغريب......
والتفاصيل عناق وجع طويل فوق سرير فوضوي
هذه لهثة عابر يلبس عريّها ويطلق صرخة العشق الوحشي
ذلك القادم .........تلك خطاه تأتيني محملة بالشهوة
ترسم فوق جسدي البدائي نقوشا شبقية
أمارس حق التوغل في نقيض البكاء القدسي
تأتي ويبدأ الإنشاد مع جحيم الشهوة المغتصبة
وتنسجم رائحة العرق مع شهقات النفس
وكنت أسير الى جهة النار
ما نفع أنوثتي ..........تسقط وتعلو........تعلو وتسقط في ذاكرتي...
والانتظار .......كلّما عاودني الأمل ......
يأتي دون ضجيج خطاه تفتح مقبض النور
اقترب........هذا الهواء تغسله يداك
دع كفك المبلل يؤثثني للخلود.........كمومس تستفيق
دعني أغلق شرفة الخطيئة وأعلن الانتصار
أشتهي الاسترخاء على حافة الجحيم.....لتهاجر الدمعة من
أسطورة الدّمع.........والآثام من صدر يتعرّى
في آخر المشهد.........
أيا سيدة الظلام.......نور يفضح المكبوت
ركعت........لهثت .........فتحت مملكة عشق
للشياطين ........لأني لم أسقط.......
خنتِ أنوثتك .........فتحت كفك للغرباء
امرأة تقرع الأبواب .......تبحث عن فجر
ثم تهيّئ وجهها لسقوط.........
لا يخدعنّك أقاليم الضياء في حدائقي
والحضور الخصب في صرير بابك
ها أنت تعودين شاحبة النّبض
توزّعين الليل فوق المعنى الجريح
ترثين حقد العوسج للورد
2008/12/6
النص يبدو من الوهلة الأولى يحمل خطا دراميا ، مشهدية مصورة بإتقان للحظة فارقة في حياة الأنثى ، لم يمنع هذا من بعض السرد الذي حملنا باتجاه دواخلها و رصد لنا حالتها النفسية ، لكنه لم يخرج بنا عنها بحيث بقينا موزعين بينها داخليا و خارجيا ، و على المستوى الأعلى يأتي حضور المجتمع و الوطن كخلفية مظللة برمادية لا يفصح عنها الحرف مباشرة بل يتم اسقاطها من خلال الرمزية المتقنة هنا
لدينا أصواتا متباينة في النص نستطيع رصدها ، و أكثر من شخصية نستطيع أن نلقي عليها الضوء :
لدينا الأنثى / المومس المدعية / الوطن المغتصب في حالة الرمزية
لدينا السارد الذي يتداخل صوته حينا في بنية القصيدة و حينا يخرج منها فيكون الواصف المعلق على الحالة العامة / الراوي / الناقد لكل مثالب هذا الوطن
لدينا وجوه لا تحصى عن أجساد الغرباء اللاهثة بحثا عن متعتهم و حضورهم هنا حضور استكمال مشهدية الحدث دون التدخل المباشر فيه / الغرباء من تلوث أصابعهم جسد الوطن
في البداية يمكننا تقسيم النص لمقطعين رئيسيين :
المقطع الأول يتحكم به صوت الأنثى رغم تدخل الراوي هنا كخلفية اجتماعية
ظلام ونشوة.........أنثى أنهكها حضن الغريب......
والتفاصيل عناق وجع طويل فوق سرير فوضوي
هذه لهثة عابر يلبس عريّها ويطلق صرخة العشق الوحشي
ذلك القادم .........تلك خطاه تأتيني محملة بالشهوة
ترسم فوق جسدي البدائي نقوشا شبقية
أمارس حق التوغل في نقيض البكاء القدسي
تأتي ويبدأ الإنشاد مع جحيم الشهوة المغتصبة
وتنسجم رائحة العرق مع شهقات النفس
وكنت أسير الى جهة النار
ما نفع أنوثتي ..........تسقط وتعلو........تعلو وتسقط في ذاكرتي...
والانتظار .......كلّما عاودني الأمل ......
يأتي دون ضجيج خطاه تفتح مقبض النور
اقترب........هذا الهواء تغسله يداك
دع كفك المبلل يؤثثني للخلود.........كمومس تستفيق
دعني أغلق شرفة الخطيئة وأعلن الانتصار
أشتهي الاسترخاء على حافة الجحيم.....لتهاجر الدمعة من
أسطورة الدّمع.........والآثام من صدر يتعرّى
في آخر المشهد.........
في هذا المقطع الحواري تبدو لها السيطرة الكاملة على مفصلاته و صوتها يكاد يكون الأعلى و الأقرب في الوصول إلينا
أما في المقطع الأخير فالسطوة لهذا القادم / الناقد و الكاشف عن أقنعة تتهاوى واحدا وراء الآخر بحيث لا نسمع لها هي صوتا و لا حتى حق الدفاع عما يوجه لها و كأنها هنا تأخذ دور المنصت جيدا لأمر تقره و تدركه
أيا سيدة الظلام.......نور يفضح المكبوت
ركعت........لهثت .........فتحت مملكة عشق
للشياطين ........لأني لم أسقط.......
خنتِ أنوثتك .........فتحت كفك للغرباء
امرأة تقرع الأبواب .......تبحث عن فجر
ثم تهيّئ وجهها لسقوط.........
لا يخدعنّك أقاليم الضياء في حدائقي
والحضور الخصب في صرير بابك
ها أنت تعودين شاحبة النّبض
توزّعين الليل فوق المعنى الجريح
ترثين حقد العوسج للورد
المومس المدعية
العنوان يأتي محملا بحكم أصدره الشاعر مسبقا دون أن يترك لنا حق الرؤية الشخصية فيه لكننا سنبحث من خلاله عن مدخل السؤال لأي شيء تدعيه هذه المومس " المومس المدعية " ؟ نلحظ أن العنوان جاء معرفا فهل يمنحنا هذا حق تحديد المتكلم عنها بحيث تصبح واحدة بعينها ، لن نستطيع أن نجيب عن هذا السؤال الآن إلا بعد التوغل في ثنايا هذا النص
ظلام ونشوة.........أنثى أنهكها حضن الغريب......
والتفاصيل عناق وجع طويل فوق سرير فوضوي
هذه لهثة عابر يلبس عريّها ويطلق صرخة العشق الوحشي
البدء بجملته الوصفية يعطينا خلفية مكانية حددتها زمنية بدأ بها المشهد الدرامي و هذا يمنحنا بصورة مفصلة حق الإطلاع على حياة هذه الأنثى و هنا صوت خارجي يصف لنا المشهد عن قرب و كأنه راوي يتداخل احيانا في سير الحدث الدرامي الشعري – السردي و تقترب عدسته ليسجل لنا
المكان : سرير فوضوي ، و الفوضى ليست تحلينا إلى حركة جسدية فقط بقدر ما تسقط أيضا رمزيتها على فوضوية الحياة سواء خارج غرفة هذه الانثى أو داخلها
الزمان : " ظلام " و هذا يحيلنا لتوقيت الليل و ما يحمله بهذه الدلالة من حياة مظلمة بعيدة عن العيون خاصة و أنه أعقبه بلفظ " نشوة" فهذا كفيل برسم الصورة و تحديدها و التنكير هنا " ظلام " و " نشوة " يحفران أفقيا و رأسيا و يوسعان من عمق المعنى و عدم ارتباطه بكائن محدد يدخل عالمها
الشخوص : أنثى و عديد من الغرباء
وصف الشخوص : - الأنثى منهكة كأنها أداة يتم استخدامها و ربما هذا هو ما يريد الشاعر أن ينقله لنا عن وصفها فلم يصف زينتها أو مظهرها الخارجي الذي نستطيع أن نستشفه بمخيلتنا لكنه بدء بتشريح نفسيتها
- أنثى منهكة عارية " عريّها " مجردة و العري هنا ليس للجسد فقط بقدر ما هو للروح الخربة تحت وطأة الظلم النفسي الذي تشعر به و الظلم المجتمعي الذي يحيطها و الذي تساهم فيه أيضا بنفسها
- الآخرون / الغرباء دون مسمى محدد مجرد صور متكررة لأجساد تبحث عن لذة عابرة تفضي للحظة فوضاوية سرعان ما تشتعل سرعان ما تنطفىء و التعبير هنا " صرخة العشق الوحشي " ليس فقط هدير الرغبة لكنه ربما يحيلنا إلى وحشية التعامل الجسدي أيضا مع هذه الأنثى فلا نتوقع أنها تعامل معاملة تليق بامرأة بل هي آلة لتفريغ الشهوات و على الآلة أن تطيع دون أن تشعر لذلك نستطيع رسم صورة لجسد منهك متأثر بالتأكيد من بصمات طُبعت عليه عنوة أحيانا و بشقاء و مذلة دائما
إذا توقفنا عند : حضن الغريب" / " عناق وجع طويل " / " لهثة عابر " ربما نشعر ببعض التناقض الظاهري فحضن الغريب الذي يعذبها هل يكون طويلا ؟ ربما نجيب نحن أن " طويل " هنا لا تعني زمنية الاحتضان فقط بل تعني العددية أيضا فكأن الشاعر يريد أن يثبت لنا أن لا فرق يذكر بين حضن الغرباء مهما تعددت شخوصهم فهم في النهاية يمثلون حضنا واحدا موجعا لأنه يحمل ذات الألم المتكرر ، حضنا يختلف فيه الشخوص لكن يبقى أثره المهين و المؤلم في نفسها موجودا خاصة و أن هذا العناق موسوم بالوجع و لا شيء سواه و هي بذلك لا تعتبر أنه " أحضان " بل هو " عناق وجع طويل " لذلك جاءت هذه الصورة موفقة تماما في رسم الصورة لهذه الأنثى بشكل عميق و مشرحة لنفسيتها بصورة قديرة و يساهم تعبيره " لهثة عابر " و " يلبس عريّها " في وضع اللمسة الأخيرة لهذه المشهدية المتلاحمة و المتوافقة مع تعبيره " صرخة العشق الوحشي "
ذلك القادم .........تلك خطاه تأتيني محملة بالشهوة
ترسم فوق جسدي البدائي نقوشا شبقية
أمارس حق التوغل في نقيض البكاء القدسي
تأتي ويبدأ الإنشاد مع جحيم الشهوة المغتصبة
وتنسجم رائحة العرق مع شهقات النفس
الانتقال الذي حدث هنا من خارج المشهد لداخله جاء بطريقة سلسلة رغم تبدل الشخوص فبعد أن كان الحديث على لسان " الراوي / السارد " نجد التبدل حدث فأصبح الحديث يجري على لسانها هي و ما سترسمه لنا مما يدور في أروقة ليلها رغم أنها استمرارية للحالة التي بدأنا بتسليط الضوء عليها مسبقا و هي الحالة النفسية لهذه الأنثى :
" ذلك القادم " اشارة للبعيد ترسم ملامح لم نتعرف عليها بعد و تبث فينا عنصر التشويق و الانتباه لهذا القادم و في نفس الوقت تنبئنا بانتقال مستوى القصيدة لدرجة أعلى تصاعدية نحو الذروة ، فذلك القادم كأنه يأتي من بعيد و قبلها استخدم الشاعر " هذه لهثة عابر " في اشارة للقريب وربما هذا التضاد في الإشارة يفتح لنا الصورة بشكل أكثر اتساعا فكأننا نرى القريب منها و البعيد أيضا و نلم أكثر بتفاصيل أكثر قربا من حياتها ،
" ذلك القادم " تأتي خطواته تجاهها محملة بالشهوة " تلك خطاه تأتيني محملة بالشهوة " لتكمل في وضع ملامح المشهد يمحنا دلالة أنه ليس فقط القريب منها من تمتد يده الطامعة فيها بل حتى الآتي و الذي ربما كانت تعقد عليه أمالا مختلفة و يأتي بعد طول انتظار و نكاد نشعر هنا بأهمية هذا القادم رغم أنها لم تحدده بمسمى أو تميزه بصفة محددة لكننا نستطيع استشعار شيئا مختلفا تجاه هذا القادم المجهول لنا / المعروف لها
الفراغ الكبير الواقع بين " ذلك القادم ......... " و بين " تلك خطاه تأتيني محملة بالشهوة " يجعلنا ندرك أن ثمة تفاصيل كثيرة احتواها كل هذا الفراغ و صمت عن حضورها الحرف ليبقي حالة التوهج الشعري قائما و يمنحنا حق الدخول في حالة من المنولوج الداخلي حينا بينها و بين ذاتها ثم استحضار هذا القادم فيخرج الحديث عن ما يحدثه لقائها به
تلك خطاه تأتيني محملة بالشهوة
ترسم فوق جسدي البدائي نقوشا شبقيةهذه صورة القادم : خطاه محملة بالشهوة ؟ يترك نقوشه الشبقية على جسدها البدائي .. و حين يأتي تدور دائرة الجحيم فتنفتح أبواب الرغبات و تختلط في عزف أنشودة جسدية .. إذن هذا القادم / الغريب لا يختلف كثيرا عمن هو حاضر أو موجود بالفعل فهي معرضة للمطامع من القريب و البعيد على حد سواء
و تأتي هنا الصور المجسدة باحترافية و المتلاحقة دون انقطاع :
خطاه تأتيني محملة بالشهوة / فوق جسدي البدائي نقوشا شبقية / تأتي ويبدأ الإنشاد مع جحيم الشهوة المغتصبة / وتنسجم رائحة العرق مع شهقات النفس
لدينا هنا في هذا المقطع سيادة تامة للفعل المضارع تأتيني / ترسم / أمارس / تأتي ويبدأ /تنسجم / " الذي يحيلنا لتوسعية أفقية زمنية يصنعها الشاعر بسردية تنبئنا تفاصيل مكملة للصورة دون أن تخرج عن توهجها و حالة التصاعدية التي وضعنا فيها خاصة حين يعطف فعلين مضارعين متتالين بلا فاصلة " تأتي ويبدأ " ، و إذا كان الفعل المضارع يمنح دالة الحالة الاستمرارية لفترة لم تنتهي بعد لأن هذه الحالة التي يتم توصفها هنا باستتخدام رمزية الأنثى المومس هي حالة لا تسقط إلا بسقوط الفعل هذا من جهة و من جهة أخرى نستطيع أن نلمس إسقاطا رمزيا بصورة مدهشة على حالة الوطن نفسه و الذي يراه الشاعر و قد تحول عمدا لممارسات لا تقل في وطأتها عما تسجله لنا هذه الأنثى المدفوعة لممارسة الشهوة في غير نطاقها الصحيح ، خاصة و أنه يعترضنا هنا جملة شعرية أراها من مفصلات هذا النص الكبير و أزعم أنها وضعت في مكانها هذا لتكسر حالة رسمتها قبلا عنها و تعد لحالة كاشفة لعمق نفسي شديد الإهتراء و موغل في الوجع حين يقول على لسانها : " أمارس حق التوغل في نقيض البكاء القدسي " هذا التعبير الذي يجعلنا نتساءل عما يكون البكاء القدسي ؟ و ما هو نقيضه ؟ هل يكون الفرح ؟! أو النشوة التي تغمرها فتجعلها تبتعد عن البكاء ؟! أم أن هناك شيئا آخرا يكمن خلف هذا التصوير
لعل التعبير " البكاء القدسي " هنا يجسد ببراعة محور النزاع الداخلي في ذاتها بين ما تفعله و تعلم أنه يوصمها بالعار و بين ما هو مقدس و لا تفعله و لعلي لا أكون قد ابتعدت عن رؤية الشاعر إذا زعمت أن البكاء القدسي هنا هو ما يسقطه الشاعر على توصيف حالة العلاقة الجسدية التي تكون في حالتها الطبيعية مقدسة ، لكنه يريد أن يتبث لنا أنها تدرك جيدا أن مثل هذه العلاقات ليست مقدسة وفي عمق وعيها المتألم لا تملك سوى ممارسة البكاء خاصة حين تعقبها بوصفها للشهوة بـ " جحيم الشهوة المغتصبة " و لا يخلف هذا الجحيم سوى إنشاد يمزج الرائحة بالصوت " رائحة العرق " مع " شهقات النفس " و لعله هنا يستدعي الصورة الحسية – النفسية المجسدة بكل ظلالها المحسوسة و الملموسة على حد سواء
و رغم نزوع هذه الصورة باتجاه ايروسي إلا أنها رسمت المشهد بتعبيرية بليغة كأنه الستار الشفيف الذي يظهر و لا يعري و بلا مبالغة في التفاصيل و بلا بتر للمشهد فجاءت الصورة المتقنة تأخذ في ظاهرها صورة الجسد بينما ترتكز في دواخلها على عري الروح الخربة المهترئة أوصالها
بعد أن استطعنا رؤية المكان بتفاصيله و الزمان بما يحمله من صور و وقفنا على حدود حياة هذه الأنثى سنخطو خطوة مختلفة هنا مع بداية المقطع التالي :
وكنت أسير الى جهة النار
ما نفع أنوثتي ..........تسقط وتعلو........تعلو وتسقط في ذاكرتي...
والانتظار .......كلّما عاودني الأمل ......
يأتي دون ضجيج خطاه تفتح مقبض النور
هنا انتقال لمرحلة أخرى من الجلد الذاتي للنفس و محاسبتها بصوت مرتفع و بعيدا عن العيون المتلصصة عليها
فتبدأ بمنولوج داخلي تديره الأنثى بينها و بين ذاتها دون تدخل من عناصر خارجية سواء كان الراوي الذي صاحبنا في البداية أو حتى صوت خطوات الغرباء ... و يمثل الفعل الماضي " كنت " حالة من التحسر و الندم مصحوبة بالوجع حين تستكمل مشهديته بـ " أسير الى جهة النار" و لا أشق من السير في درب تدرك أنه يفضي إلى النار التي يمكن أن تمنحنا معنى الجزاء على المستوى الأخروي والعقاب على المستوى الدنيوي
الصوت هنا منفرد بذاته يفتح معاقل العقل و تخبو بعيدا صوت الرغبة و الشهوة و مقتضيات الجسد و كأنها تنظر في مرآة تخاطبها و صدى صوتها يملأ أذنيها فيظهر لنا مدى الألم الذي يسكنها من وضع ربما لا تسطتيع التحكم فيه بصورة كبيرة
تبدأ بالسؤال الذي يؤرقها " ما نفع أنوثتي .... ؟ " و الفراغات المنقوطة هنا بين الفواصل تكاد تنطق بما أراده الشاعر أن يدور في أذهاننا و نحن الآن في حالة من التوحد مع شخص هذه الأنثى التي تعلق أنوثتها أمامها تجلد ذاتها و تبحث عما جنته من وراء هذه الأنوثة و عرضها في ليالي الغرباء ... و لعلها تتساءل الآن أي حياة تلك التي أحيا فيها و بها ؟
نلحظ هنا كيف جعلت من الذاكرة مجسما حيا " في ذاكرتي... " فحرف الجر " في " هنا خلق لها مساحة مكانية استطاعت أن تحتفظ فيها بكل ذكرياتها السيئة و الجيدة " تسقط وتعلو........تعلو وتسقط " و هذا التكرار الحادث هنا و التبادل اللفظي ما يوحي لنا بشدة الاضطراب الذي تموج به ذاتها الآن و قد خرجت من داخلها ووقفت تشاهد نفسها بعيون الغريبة عنها كأنها تنظر لنفسها من الخارج
نود أن نشير هنا للمحة متقنة النسج من الشاعر حين عبر أولا بالسقوط و اختتم به أيضا " تسقط وتعلو........تعلو وتسقط " و لعل في هذا إشارة حتمية ستكون جلية في ختمة هذ النص و ربطها الموثق بالعنوان
و تبدأ في تحديد جديد لهذه الحياة التي يبدو أن ثمة شيئا ما أثار كل هذه الزوبعة
تجيب الحروف حين تقدم لنا جملتها التالية " والانتظار .......كلّما عاودني الأمل ......" إذن الانتظار الذي يفتحه باب الأمل هو ما يثير في نفسها تلك الزوابع التي لا تجعلها تهدأ بل تزيد من وجعها أوجاعا ... فأي انتظار و أي أمل هذا الذي يظهر لها ؟
تختم هذا الجزء بتوجيه الحديث عن الغائب " يأتي دون ضجيج خطاه تفتح مقبض النور " هل هو الأمل ؟ النور الذي يجعلها تنتظر ؟ تتحدث عنه بصيغة الغائب و كأنها تحدث نفسها عنه و تستعيد حضوره و نحن هنا معها دون أن تدري نستمع لهذا الأنين الداخلي الذي تبثه و نلمح ابتسامة تضيىء وجهها حين تتحدث عنه هذا الآتي دون ضجيج هل يعني هذا أن هناك من تسرب إلى حياتها دون أن تدري ؟ لعلنا هنا يجب أن نعقد مقارنة بسيطة بين التعبيرين :
تأتي ويبدأ الإنشاد مع جحيم الشهوة المغتصبة
/
يأتي دون ضجيج خطاه تفتح مقبض النور
بوسعنا أن نلمح هنا فعل واحد " تأتي / يأتي " كلاهما منسوبان للخطوات في دالة الحال المضارعة لكن شتان بين النتائج التي تخلفها كل خطوة منهما :
فالأول و هو يمثل كل الشخوص التي تأتيها راغبة فيها يأتي حاملة شهوتها جحيما و ضجيجا ، فالجحيم هنا يصنع ضجيجا يفتح باب النار
بينما الآخر يأتي بخطواته دون ضجيج تفتح بابا يختبىء خلفه النور ، فالمقبض هنا يمثل فاصل / حاجز يمنعها عن النور الذي ينتظر خلفه و هذا الآتي وحده يملك حق فتح هذا المقبض
ندرك هنا مدى التفاوت بين الخطوتين و ما تحملانه كل منهما على حدى لهذه الأنثى فهناك خطوة تخاطب جسدها تحيله إلى بركان يلفظ حمم أوجاعه و شهواته و غضبه و رغباته وووو ..... و هناك خطوة تأتيها دون ضجيج تحمل لها مفتاحا لأبواب أخرى تفتح لها عوالم نورانية
اقترب........هذا الهواء تغسله يداك
دع كفك المبلل يؤثثني للخلود.........كمومس تستفيق
دعني أغلق شرفة الخطيئة وأعلن الانتصار
أشتهي الاسترخاء على حافة الجحيم.....لتهاجر الدمعة من
أسطورة الدّمع.........والآثام من صدر يتعرّى
في آخر المشهد.........
في هذا المقطع يبدأ الحديث بشكل مختلف فنرى الديالوج القائم بينها ( الأنثى ) و بينه هو ( الآتي بخطوات النور ) يبدأ في التصاعدية و الإفصاح أكثر عن مجمل الصورة و لعله يحمل لنا إجابة السؤال الذي بدأنا به رؤيتنا ( ما الذي تدعيه هذه الأنثى التي وصفها بـ المومس المدعية ) لكن لنبدأ خطوة خطوة من هنا:
" اقترب " فعل الأمر الذي يبدأ به هذا المشهد المختلف حيث انتقلنا هنا لمستوى آخر من مستويات القصيدة لأنه في حقيقته لا يحمل أمرا بل يحمل من التضرع الأنثوي الكثير بعيد عن سطوة فعل الأمر لأن باقترابه هذا ثمة تغيير عميق سيحدث هنا نلمحه حين تقول :
هذا الهواء تغسله يداك
دع كفك المبلل يؤثثني للخلود
ما بين " تغسله " و " المبلل " علاقة تكاملية فالماء هنا يوجد هذا التكامل و يوحد نتائج الفعلين معا نحو التطهر حين تقول " تغسله يداك " و "دع كفك ... يؤثثني " فهذا الكف سيغسل الهواء المحيط بها فأي طهارة ستكون أعلى من هواء مغسولة خطاياه و هذا الاغتسال / التطهير سيكون بلا شك على الآثام و هذا ما سيجعل طريقها نحو الخلود المبتغى مختلفا هنا بعيدا عن الذنوب و الآثام و سيكون خلود المطهرين و مؤثثا بتشكيل كفه المبلل
و دليل هذا هو الصحوة التي تظهر على لسانها هنا في قولها " كمومس تستفيق "
الكاف التشبيهية هنا تضعنا في موقف محير لماذا تشبه نفسها بالمومس و هل هي أساسا لا تعترف بكونها مومس ؟ أم هي بالأساس ليست مومس و لكن حُكم على تصرفاتها بهذه الصفة التي لازمتها دون اعتراف منها بها ؟! ستجيب عن هذا الصورة المكتملة للنص
و جاءت " تستفيق " و هي فعل لازم متعدي بحرف ناقص هنا لم يكتبه الشاعر ربما ليفتح أبواب التخييل أمامنا فالاستفاقة تكون بدلالة الصحو و اليقظة و عودة العقل بعد غفوته و لتظهر رغبتها في هجر كل ما سواه من حياة سواء هي مدركة تماما لهذا التوصيف أو لا لكن هنا رغبة مختلفة ، رغبة ليست جسدية تملكتها ، و هي رغبة شعورية روحانية تريد أن تهجر بها هذا العالم المظلم الذي تحيا فيه لذلك لن نتساءل كثيرا عن وسائلها في حالة التطهر التي تملكتها لأنها تثبتها هنا خطوة خطوة حين تقول :
دعني أغلق شرفة الخطيئة وأعلن الانتصار
أشتهي الاسترخاء على حافة الجحيم.....لتهاجر الدمعة من
أسطورة الدّمع.........والآثام من صدر يتعرّى
في آخر المشهد.........
بداية المقابلة بين " الخطيئة " و " الانتصار" مقابلة جدا رائعة لضدين فالخطيئة انهزام للنفس و وصمة تدمغ النفس و هذا يعني أن التخلص من الخطيئة يكون انتصارا و في هذا سموا بالنفس و اعلاء للجسد الذي حتى لو وصمته الخطيئة ثم رغب بطرحها عنه فهذا في ذاته انتصارا
مقابلة أخرى تظهر لنا " شرفة الخطيئة " و " حافة الجحيم " ما بين الشرفة و الحافة ثمة علاقة مكانية ، فالشرفة تطل منها لكنها تقيها شر الوقوع بينما الحافة لا تستطيع أن تقترب منها كثيرا و إلا هوت في قرارها لذلك أرفق الشاعر الخطيئة للشرفة لجواز الرجوع عنها و العدول عن الاستمرار فيها ، بينما أرفق الجحيم بالحافة لأن الوصول لحافته كفيل بالشعور بلفح نيرانه و لهيبه فإذا خطا خطوة أخرى باتجاهه لاستقر في هاويته
لكن المثير هنا أنها تتضرع له بفعل أمر آخر فتقول " دعني أغلق شرفة الخطيئة وأعلن الانتصار " و هذا الانتصار لا يكون إلا في حضوره
بينما نراها تعبر بقولها " أشتهي الاسترخاء على حافة الجحيم " و كأن هذا الجحيم بكل ما نتصوره عنه و عن نيرانه هو المكان الذي تفضل الاسترخاء فيه ، رغم ما تحمله اللفظة من دلالة الراحة و الدعة و السكون لكنها ستكون على حافة الجحيم
يلزمني هنا لأتصور هذه الصورة المرسومة بتناقضاتها أن أراها بنظرة مختلفة فأقول إنها ترى كل ما مر بحياتها قبلا كان خطيئة قررت أن تغلقها حين حضر هذا الآتي المختلف الحامل لمفاتيح النور ، فتصبح حافة الجحيم معه موضع استرخاء و راحة و سكون بل و انتصار أيضا ، فهل يكون الاسترخاء على حافة جحيمه هو مزيد من التطهير باستخدام النار أو بمعنى أدق لفح و صدى النار كمزيد من تطهير لهذا الجسد الأثم قبله و النفس الباحثة عن النور معه ؟
و في توصيف هذه الحالة ما يجعلنا نرى الأمور بشكل مغاير في نظرتها و فهمها للخطيئة ، لأن الخطيئة هنا لديها تنسحب على حياتها التي كانت قبل حضوره هو بمعنى آخر أنها لا ترى في فعلها خطيئة إلا لأنه لم يكن حاضرا في حياتها السابقة و بناء عليه فإنه سيكون لوقع حضوره ما يجعلها لا تطلق لفظة الخطيئة على حياتها بعد هذا الحضور حتى لو لم تغير الفعل الحادث منها
و خاصة و هي تفسر " لتهاجر الدمعة من أسطورة الدّمع...." و هذا ما يعمق شعورنا أكثر بالحالة التي تموج في داخلها من وجع ممتد كأسطورة عتيقة فهل من سبيل لهجر الدمع من عين ولدت من البكاء الممتد عبر أساطير التاريخ و لعل في هذه اللمحة خاصة ما يمنحنا فرصة تسليط الضوء على هذه الصورة الشعرية الرائعة " لتهاجر الدمعة من أسطورة الدّمع...." حيث هي في مدلولها تشير لأرض الوطن التي لم تعرف منذ تشكلت غير الدمع الذي أصبح أسطورتها و تاريخها المتراكم عبر العصور و كأننا هنا أمام حالة توحد بين الأنثى / المرأة و الوطن
و تتساءل في لهفة هل هناك أمل في بدء مشهد أخير مختلف ؟ " في آخر المشهد" .........لأنها لا تريد أن تهجر الدمع فقط بل هي ستزيح معها أيضا كل الآثام من صدرها " والآثام من صدر يتعرّى " و الآثام هنا ليست فقط الذنوب الحسية خاصة و هي تربطها بـ " صدر يتعرّى " بل أيضا تنزاح الصورة لتعطي كل ما يخالط هواء رئتيهاا من أوجاع و أحزان
إذن هل نستطيع أن نقول أن هذا القابض على مقبض النور هو جسر عبور لها لعوالم أخرى أكثر نورانية ؟ هل هو المخلّص الذي على يديه سيتم تطهير الإثم و غسل الروح و الجسد ليعود الإنسان بداخلها إلى عوده الأول حين لم تكن الخطيئة قد لاحقته بعد ؟ لن نستطيع أن نجيب إلا بعد استكمال المشهد
أيا سيدة الظلام.......نور يفضح المكبوت
ركعت........لهثت .........فتحت مملكة عشق
للشياطين ........لأني لم أسقط.......
خنتِ أنوثتك .........فتحت كفك للغرباء
امرأة تقرع الأبواب .......تبحث عن فجر
ثم تهيّئ وجهها لسقوط.........
لا يخدعنّك أقاليم الضياء في حدائقي
والحضور الخصب في صرير بابك
ها أنت تعودين شاحبة النّبض
توزّعين الليل فوق المعنى الجريح
ترثين حقد العوسج للورد
في هذا المقطع انتقال مغاير تماما لنسق الحوار و ارتفاع صوت الطرف الآخر / صاحب النور و الذي من المفترض حسب مسيرة الحرف أنه فاعل إيجابي في سير المنظومة لكننا نفاجىء هنا بوقفة أكثر تصادمية حين تنهدم كل الآمال المعقودة عليه و ياتي حرفه هنا في ثورة مشتعلة بهدوء ظاهري لكنها تتقلب في نيران المواجهة الحاسمة و الحازمة لكل ما سبق و تبنته الأنثى من رؤية و أمل
و رغم اختلاف الصوت هنا لكنه ليس مقطوعا عما سبقه من وحدة القصيدة فالمشهد هنا انتقل ليكون الحديث على لسانه بادئا بالنداء " أيا سيدة الظلام "
و النداء و إن كان يوحي بالبعيد لاستخدمه " أيا " لكنه أيضا مرفق بلفظية مركبة الصفة " سيدة الظلام " و هذا كفيل أن يمنحنا صورة واضحة لرؤيته لها بأنها لا تزال في نظره " سيدة الظلام " و يكون النداء هنا ليس يحمل صفة البعيد في المكان بقدر ما يحمل صفة البعيد في القرب الروحي و لعل ما يلي من حرفه يؤكد لنا هذا حين يقول " .......نور يفضح المكبوت
ركعت........لهثت .........فتحت مملكة عشق
للشياطين ........ " فهو يرصد جيدا خطواتها على الدرب المغموس بالخطيئة و يرى النور الذي يحمله يفضح ما يختبىء خلف أمنياتها فيقول " لأني لم أسقط " رغم اللهاث و الركوع و مملكة العشق المفتوحة على مصرعيها أمامه لكنه لم يسقط
يواصل شن هجومه بشدة و بلا هوادة و جلد مستمر لفضح ما تحاول هي استتارته " خنتِ أنوثتك .........فتحت كفك للغرباء
امرأة تقرع الأبواب .......تبحث عن فجر
ثم تهيّئ وجهها لسقوط......... "
لا شيء هنا يوقف الشاعر عن استكمال كشف القناع عن وجه يدعي البحث عن النور لكنه لا يزال مغموسا في النار ، جاءت عبارة " خنتِ أنوثتك " بكل حمولتها الدلالية التي تفضي لعوالمها كأنها حجر يسدد لعين الروح فلا أوجع على المرأة من أنوثتها و وصفه لها بخيانة أنوثتها يضع أمامها كل أثقال خطاياها بصورة مباشرة و حازمة و قوية لكنها في نفس الوقت الذي تحمل فيه توهجها نجد ما يليها يحملنا على باب السرد فيبدأ في تبيان نوع هذه الخيانة التي وصمها بها ووصّف لها حالتها فأتت " .........فتحت كفك للغرباء " / " امرأة تقرع الأبواب .. لتحمل لها دونية أفعال تقترفها بفتح أبواب مملكتها المقدسة للشياطين فهذا الكف الممتد للغرباء و هذه الأبواب التي تقرعها تحملنا على نوع من الاستجداء هو لا يناسبها إذا كانت تريد أن تحفظ عليها أنوثتها التي هي سر حياتها يساعدنا في الوصول إلى هذه الرؤية قوله " .......تبحث عن فجر / ثم تهيّئ وجهها لسقوط......... إذن من تبحث عن الفجر لا ينبغي لها أن تترك ذاتها في هوة الليل و تحفظ وجهها عن التداعي و السقوط خلف أقنعة تتهاوى ، و في هذا إسقاط رمزي مرة أخرى للحالة المتردية التي تحياها البلاد و الأوطان تباعا لما يحدث لمواطنيها حين نأخذ برمزية هذا القصيد لمستوى أعلى و أكثر اتساعا من مستوى التشخيص الفردي البشري ..
لا يخدعنّك أقاليم الضياء في حدائقي
والحضور الخصب في صرير بابك
ها أنت تعودين شاحبة النّبض
توزّعين الليل فوق المعنى الجريح
ترثين حقد العوسج للورد
حركة النهي و النفي معا الحادثة هنا في هذه العبارة " لا يخدعنّك أقاليم الضياء في حدائقي "حملت لنا من تشكيلات الخاتمة الملموسة ما توازي المحسوسة أيضا فـ " أقاليم الضياء " لا يمكنها أن تكون مصدر خداع لكنها هنا جاءت كتحذير شديد اللهجة و إفاقة لها من وهم قد تصدقه إذا ظنت أن الضوء الذي تطرحه أشجار حدائقه يمكن أن يحمل لها ما كانت تراهن على حدوثه من أن يفتح لها باب الضوء و هي مغروسة في قاع النار ، فالنور الذي لديه لا يتناسب و النار التي هي فيها
حتى " الحضور الخصب في صرير بابك " لن يمنحها لونا يُزهر نبضها الشاحب الذي لن تجد سواه رفيقا لها حين يتخلى الجميع عنها و تنتفي حاجتهم إليها بفعل مرور الزمن و لن يتبقى لها سوى شحوب اللحظات و قد مرت السنوات ، و الصورة هنا عميقة التركيب فنكاد نسمع صوت الصرير و ما يحمله حضوره من خصب لها
ثم تنهمر العبارات هنا كاشفة عن وجهها المتداعي " ها أنت تعودين شاحبة النّبض / توزّعين الليل فوق المعنى الجريح/ ترثين حقد العوسج للورد "و انطفاءة عود الورد باقتحام ريح العوسج له و سيبقى الليل الذي كان يحمل لها سابقا فتنته هو ملاذها الأخير لكن بكل نجوم التحسر على أنوثة أريق دمها في درب الخطايا ، يستوقفني توزيعه البصري الفاتن للصورة الشعرية هنا حين يقول " توزّعين الليل فوق المعنى الجريح " فكم ليل تحتاج إليه ليغطي كل جراحها ، و حسرتها حين تنوح على ورد العمر المنقضي فمثل لها بصورة رائعة " ترثين حقد العوسج للورد "
و تصبح " المومس المدعية " كما حكم عليها منذ عنوان القصيدة هي لافتة يرفعها في وجه العهر و التدني سواء على المستوى الفردي البشري أو على المستوى الأعلى حين تسقط الأوطان في براثن الأكف الغريبة من جهة و مما تفعله بذاتها هي أيضا من جهة أخرى فهو هنا لا يدين الغرباء فقط بحكم مطامعهم بقدر ما يدينها هي نفسها في تركها لهم ليصنعوا منها دمية بلا حياة يمتص الضياع روحها و يلقيها على قارعة السقوط بلا هوية و وجه ليس أكثر من قناع مدعي
" المومس المدعية " لدينا نص مركب و شديد العمق و لعله من العنوان و الفكرة التي ناقشها يجعلنا لا نستطيع الفكاك من عقد رابطة بينه و بين " المومس العمياء " ملحمة السياب الكبير و إن كان هناك فارق زمني حين تسبق قصيدة قصيدة بفترة زمنية طويلة يبدو لنا من خلال استعراضهما أن الحال لم يتغير كثيرا فما كان بالماضي لا يزال يتحرك أمامنا بكل وقعه الموجع ،و لكننا لا نستطيع أن نقول أن التناص هنا قد أوقع الشاعر في ظل المحاكاة و التقليد و السير على نظم السياب الكبير لأن اختلاف المعالجة بينهما جعل لهذا النص خصوصيته
فالشاعر هنا إذا جاز لنا القول نراه أكثر قسوة في مواجهة الواقع المرير و لا مجال للأعذار لديه فهو لا يخلي سبيل المجتمع من تحمل مسؤوليته الكاملة عن اختياره لأوضاعه المتردية سواء كان على مستوى المجتمع / الوطن / الأفراد
و إذا كان التحول للخطيئة في صورة المومس هو من فعل انحرافها فهذا ليس مسؤوليتها وحدها و إن كان لم يسقط عنها هذه المسؤولية بل أيضا هي مسؤولية المجتمع الذي جعلها تخطو نحو هذا الدرب
عايده بدر
22-2-2014
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق