قبل كل شيء
قبل البدء
كنتُ الريح أهز عن الروح خصلات الصمت
فتنفض عن جبينها شهقة الصقيع
تلفح حرائقي أوراق توت مضت عارية
من سوءة الغطاء
كنتُ النور المحترق على ظلك الكسير
شرشف يدثر عري الأزمنة على جسدك
كنتُ اللهفة تجري تحت جلد الشمس
فتشتعل رغبة العشب لـ نزع قيد التراب
أغنية تتلألأ على سطح النبض
فيشق صمتي جيب الفراغ
ترتفع قبة سمائي لتنضج خبز المغفرة
و قوس يشد للمطر آخر انحناءات المساء
قبل كل شيء
قبل البدء
كنتُ أنتَ
/
عايده
القراءة للأديب القدير / مهتدي مصطفى غالب
قصيدة جميلة و تحتاج لأكثر من وقفة أمام تراكيبها الجملية
فهي تبدأ بحرف ( القاف ) و ( الباء) و اللام ... هذه الحروف التي تشكل بتقة من رؤى المستقبل المورق في بدء النص ... حيث تقدم لنا الشاعرة بدء القادم أو بالأحرى ( المقبل) ... حيث تعطيه نكهة البدء الدائم و المستمر ... فلا توقف عن البدء الذي يتناسل حاضراً و مستقبلاً ...
بهذه المفاتيح نستطيع الدخول إلى النص كي نكتشف سرَّ كينوته الشعرية و الجمالية ...
و المفتاح الأخر هو لقراءة الصورة الشعرية في هذا النص حيث تبدأ من تجسيد الحالة بموجودات مادية محسوسة وهي نقل المدرك إلى المحسوس كصورة ( خصلات الصمت ) فالخصلة هي شيء موجود و ملموس بينما ( الصمت ) حالة من الحالات التي تعطيها المشاعر و النفس لأدواتها الجسدية ...و كذلك صورة ( شهوة الصقيع ) إنما هنا هي تزاوج بين حالتين حالة مدركة و هي الشهوة و حالة ملموسة وهي الصقيع فهي حالة من حالات الطبيعة التركيبية للماء أو المناخ ...
و في صورة ( ظلك الكسير ) تقارب بين الحالة الضوئية و النكسار الضوئي لشعاع النور ... أو الانكسار المادي للأشياء الملموسة ...
و في صورة ( جيب الفراغ ) تعود الشاعرة إلى لعبة طفولتها العفوية الحاملة لرؤى جمالية و فكرية راقية في مقاربتها بين الحالة ( الفراغ ) المكانية و الحالة الشيئية ( الجيب) فتعطي رؤية خاصة عن تحول الأشياء و انتقللاتها بين حالاتها المتعددة ... كما في ( خبز المغفرة) فالخبز دم الحياة الفردية و المجتمعية حين تربطه بالمغفرة نكتشف عمق الحالة المجتمعية في صيغة النص الفنية و الفكرية.
و هناك في هذا النص الشعري المكثف صور أخرى ... تفتح آفاقاً أخرى للقصيدة .
شكراً لك ....
مع مودتي و تقديري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق