فرااااااغ

فرااااااغ

الاثنين، 16 مارس 2020

رؤية في نص " أفزعتني " للمبدع جوتيار تمر / عايده بدر



رؤية في نص " أفزعتني "
للمبدع جوتيار تمر / عايده بدر




أفزعتني..... / جوتيار تمر
صوت المنبه ارتفع فجأة في رنين غير منقطع..خرق الصوت أذني حتى وصل مني العظم.. حاولت أن أتجاهل الصوت..فغطيت رأسي .. لكن الصوت كان أعند مني.. أخرجت يدي من تحت الغطاء دون رأسي لأوقف المنبه.. بحثت أمسكت بشيء قد يكون هو..رميته أرضا سمعت صوت شيء ينكسر..في نفسي أظنني قضيت عليه.. لكن الصوت ظل يرتفع شيئا فشيئا..أدركت بأني لم أنته منه بعد..وضعت المخدة على رأسي وبدأت أتقلب في فراشي..لكن دون جدوى... عدت أُتمتم لقد هزمني المنبه.. أخرجت رأسي.. مددت يدي إلى المنبه الذي كان قريبا جدا مني فقتلت الصوت فيه.. بقيت مسترخيا أتلذذ ببقايا النوم الذي كان لم يزل يغمرني بأمانه.. ولا أعلم كيف وقعت عيني على المرآة أمامي حيث بدأت أتاملها بغرابة وكأني لأول مرة التقيها في غرفتي..لم تكن المرآة هي ما تثيرني بقدر ما أثارتني صورة تعكسها المرآة.. صورة طفل عيناه دامعة وهو بين أحضان أمه حيث يداها تلفانه وكأنها تضمه لتبعده عن الكواسر ومذابح البشرية.. بدأت الأفكار والهواجس تتقاذف في ذهني كما زخات المطر تتقاذف عندما ترتطم بصخرة جاحدة..شعرت بقشعريرة تسري في جسدي..لهول الأفكار التي داهمتني...طفل في حضن أمه وبين يديها ويبكي..إذا فكيف يكون حال من لا يجد حضنا يأويه...لا يجد أما تناديه ب(ماما).. حنانا تغمره عندما تشتد الأيام عليه..عندما تضايقه الأقدار وتسلب منه الأمان..عندما تصبح الحياة مجرد لعبة أزلية بيد من هم لا يستحقونها يعبثون بها...وأنا في غمار الهواجس والأفكار هذه تخيلت نفسي وأنا أعيش الحالة هذه ومن شدة هولها اعتدلت جالسا وصدري فيه بركان من الألم والحرقة..كنت أتمنى لو أنها (...) لم تهدني هذه اللوحة التي فيها أرى حرقتي وعذابي..كنت أتمنى لو أنها لوحة أخرى أي شيء آخر غير هذه التي أثارت في الألم والوجع والخوف من يوم قد يأتي وأجدني بلا حضن..بلا.. من أناديها (ماما)...فكرت أن أنزعها من جدار غرفتي وأضع بدلا عنها..لوحة أخرى...لكن ماذا يمكنني أن أضع مكانها... كنت لم أزل في الفراش جالسا مغروسا كشجرة تأبى أن تتخلى عن جذورها برغم الإعصار الذي بات يهددها...حاولت أن أجد ما قد يشغلني عنها فنظرت إلى النافذة التي تطل على الشارع..لكنه كان مهجورا.. فقلت في نفسي المنبه كان يريد مني أن استيقظ لسبب ما..فكرت بالأمر الذي جعلني أعد المنبه لهذا الوقت..لكن هواجس اللوحة طغت على كل شيء وجدتني أعود إليها غصبا..قسرا..وفي لحظة ما ولا أعلم كيف قررت أن أنزعها.. فخرجت من فراشي..ومددت يدي إليها ونزعتها وكأني أنزع شيئا لا ينزع هكذا دب شعور خفي في أعماقي..لكني عاندت نزعتها ووضعتها خلف المكتبة حتى لا أراها...فكرت أن أضع بدلا عنها لوحة أخرى ..لكني لم أكن أملك بديلا لها..همست لا بأس عندما أخرج إلى السوق اشتري لوحة لأضعها مكان التي نزعتها...تذكرت حينها بأني على موعد مع صديقة للذهاب إلى السوق لشراء هدية عرس لأحد زملائنا...خرجت...وفي المساء ونحن نستعد للعودة تقول لي الصديقة بأنها تريد أن تسلمني أمانة وصت بها أختها الصغيرة.. والأمانة كانت لوحة حجمها أصغر بقليل من تلك التي نزعتها من على جدار غرفتي.. أخذتها..شكرتها...عدت للبيت...دخلت غرفتي...فتحت هديتي... آه...أه...إنها لوحة جميلة جدا...طفل وحيد ليس معه أحد..يبكي على رصيف مكتظ بالناس....نظرت إلى المكتبة..سرت إليها.. أخرجت لوحتي القديمة.. وعلقتها ووضعت الجديدة في مكان القديمة خلف المكتبة.. دب شعور قاس في أعماقي وكأنها رسالة مجهولة لي..وأتذكر بأني كنت أتمتم مع نفسي إنها أفزعتني...أفزعتني.






رؤية عايده بدر:

أفزعتني.....




البداية تقابلنا من عنوان النص " أفزعتني" وتوقف أمام العنوان لوهلة يجعلنا نتسآل : من أفزعه؟ / ماالذى أفزعه؟ هل ما أفزعه كائن حى أم جماد ،،، يجيبنا على الفور

:



"




صوت المنبه ارتفع فجأة في رنين غير منقطع..خرق الصوت أذني حتى وصل مني العظم.. "





رنين الالة يقابلها فعل الفزع ،،، و رغم المحاولات المستمية التى قامت بها الإداة المسخرة هنا لإيقاظ النائم و يقوم هنا " المنبه " بهذا الدور و تجاهل هذا الرنين الذى لا ينقطع من البطل لم يوقف الالة عن عملها المسخرة له




.

و ربما نجد القاص يلجأ إلى إستخدام الإسم المتعارف عليه للألة للدلالة اللفظية لها فهو " منبه" عملا و إسما ،، القاص يريد أن يؤكد على فاعلية أداته فى الإيقاظ ،، فلم يكن رنين الهاتف و لا طرق الباب ،، هو يريد هذه الأداة لما لها من دلالة فى الإسم تطابق المعنى ايضا




:





"




حاولت أن أتجاهل الصوت..فغطيت رأسي .. لكن الصوت كان أعند مني.. أخرجت يدي من تحت الغطاء دون رأسي لأوقف المنبه.. بحثت أمسكت بشيء قد يكون هو..رميته أرضا سمعت صوت شيء ينكسر..في نفسي أظنني قضيت عليه.. لكن الصوت ظل يرتفع شيئا فشيئا..أدركت بأني لم أنته منه بعد.."






هنا يتجه البطل إلى عدة حلول يقدمها لنفسه حتى يتخلص مما يؤرقه و لكن يبدو أن طريقته لم تفلح و لم تثمر فما زال الصوت يطن كنحلة و يرتفع شيئا فشيئا حتى يعم الصوت المكان و يطغى على ما سواه و هنا يدرك البطل أنه لا حيلة له سوى الإستسلام لهذا الصوت القادم من اللامكان ،، الألة هنا فقدت وظيفتها كآلة لتصبح إسقاطا لصوت لا يسمعه إنما يستشعر وجوده ،، يصر على إيقاظه مهما كلفه الامر حتى يستسلم له و ينتصر الصوت رغم أن فعل القتل وقع على هذا الصوت إلا أنه نجح أخيرا فى إيقاظ النائم ،،، و لكن هل إستيقظ وعى البطل و عقله أم إكتفى بهروب النوم من عينيه




:



"




وضعت المخدة على رأسي وبدأت أتقلب في فراشي..لكن دون جدوى... عدت أُتمتم لقد هزمني المنبه.. أخرجت رأسي.. مددت يدي إلى المنبه الذي كان قريبا جدا مني فقتلت الصوت فيه.. بقيت مسترخيا أتلذذ ببقايا النوم الذي كان لم يزل يغمرني بأمانه.."







ت




بدأ من هنا عقدة الحدث ،، بعد أن أفاق مرغما و فى حركة دائرية لإستكمال نومه يتوقف فجاة على صورة تعكسها المرآة أمامه و كأنه يراها للمرة الأولى،، بالتأكيد هو رآها من قبل و هى ليست حديثة عهد به ،،، فلماذا أفزعته الان ؟؟؟




"




ولا أعلم كيف وقعت عيني على المرآة أمامي حيث بدأت أتاملها بغرابة وكأني لأول مرة التقيها في غرفتي..لم تكن المرآة هي ما تثيرني بقدر ما أثارتني صورة تعكسها المرآة.."






ما الصورة التى أفزعته و جعلت النوم الذى كان يستلذه و ينوى استكماله يتوقف فى عينيه و يتوقف هو التفكير فى معاودته؟؟؟

صورة طفل يبكى فى احضان أمه رغم أنها تحيطه بحنان و رقة و كانها تخبئه فى أحضان قلبها بعيدا بعيدا عن أى أذى أو شر و رغم ذلك هو يبكى




:

"




صورة طفل عيناه دامعة وهو بين أحضان أمه حيث يداها تلفانه وكأنها تضمه لتبعده عن الكواسر ومذابح البشرية.. "





الصورة تسيطر على وعى البطل حتى لا يكاد يلتفت إلى ما سواها ،، إنها تتسرب إلى وعيه و إدراكه و ربما تسربت إلى عقله الباطن فأحييت ذكريات دفينة تناسها فى غمار ما تاخذنا به الحياة ،،، و هنا تقاذفته الهواجس :ماذا عمن لا يجدون مثل هذا الحضن الدافىء ؟؟ ماذا عمن لا يجدون من يصد عنهم شرورو الحياة؟؟؟ ماذا يفعلون ؟؟ ماذا يفعل الطفل الذى حرم من نعمة أن يكون لديه أم... و الأم بما تمثله من حنان و أمان هى الرادع الوحيد فى ذهن البطل لصد أى خطر يحيط بطفلها ،،، و هنا همسة شديدة الحساسية حين يقرر البطل حقيقة واقعة و مؤلمة أن الحياة أصبحت لعبة فى يد من لا يستحقونها يعبثون بها كيف يشاءوا و من ثم فإنههم فى لعبتهم هذه يحرمون الكثير من الأطفال أن يكون لهم من يحميهم و يصد عنهم الخطر،، هنا إسقاط لما تفعله السياسة و الحكم من اللعب بمصائر البشر ،،، كم طفل حكم عليه باليتم لمجرد أن الساسة أمروا بذلك فأضرمت حروب و دمرت قرى و تيتمت أطفال من جراء ذلك كل ذلك و هم مشغولون بلعبة الحياة الازلية حيث البقاء فيها للإقوى كما الغابات




:



"




بدأت الأفكار والهواجس تتقاذف في ذهني كما زخات المطر تتقاذف عندما ترتطم بصخرة جاحدة..شعرت بقشعريرة تسري في جسدي..لهول الأفكار التي داهمتني...طفل في حضن أمه وبين يديها ويبكي..إذا فكيف يكون حال من لا يجد حضنا يأويه...لا يجد أما تناديه ب(ماما).. حنانا تغمره عندما تشتد الأيام عليه..عندما تضايقه الأقدار وتسلب منه الأمان..عندما تصبح الحياة مجرد لعبة أزلية بيد من هم لا يستحقونها يعبثون بها..."






هنا تكمن معاناة البطل ففى الصورة المنعكسة فى المرآة لم يجد سوى صورة طفل تحيطه أمه بحنانها و مع ذلك فهو يبكى خوفا من ضياع الأمان،،، البطل هنا يتخيل نفسه مكان هذا الطفل الباكى فى أحضان أمه




..

"




وأنا في غمار الهواجس والأفكار هذه تخيلت نفسي وأنا أعيش الحالة هذه ومن شدة هولها اعتدلت جالسا وصدري فيه بركان من الألم والحرقة.."





وأعتقد هنا أن الأمر ليس مجرد تخيل , فى رأيى أن المرآة لم تعكس صورة الطفل فى اللوحة بقدر ما عكست صورة الطفل فى داخل البطل ,, الطفل المفتقد لحنان الأم و الأم هنا يجوز أن تكون الأم المرأة/ الحبيبة / الأرض / الوطن ...هى الأم فى أى صورة كانت و ربما ما أفزع البطل هنا ليس سوى مقدرة المرآة على عكس صورة الطفل الذى عانى الالم بداخله هو ,,أما فزعه من إنعكاس الصورة فـ لآنه و رغم مواجهته للصورة صباحا و مساءً فهو للمرة الأولى يتقابل الطفل بداخله مع الطفل الباكى فى الصورة : الطفل داخل البطل و الطفل فى الصورة وحد بينهما الفزع ,,فعكست الصورة معاناة الطفلين و ألمهما و عذابهما




.

"




كنت أتمنى لو أنها (...) لم تهدني هذه اللوحة التي فيها أرى حرقتي وعذابي.."







و رغم ما يظهر فى حديث البطل لنفسه فيما بعد بأنه يخاف أن يأتى يوم و لا يجد من يناديها "ماما" أعتقد أنه محاولة من القاص ليجبر القارىء على عدم الغوص فى شخصية البطل و الإكتفاء بالتوجه نحو الصورة المنعكسة فى المرآة .و الخوف هنا هو خوف من تكرار تجربة الفقد ,, فقد الأمان مرة أخرى




.

"




كنت أتمنى لو أنها لوحة أخرى أي شيء آخر غير هذه التي أثارت في الألم والوجع والخوف من يوم قد يأتي وأجدني بلا حضن..بلا.. من أناديها (ماما)..."





يحاول البطل الخروج من حصار اللوحة له فالصورة المنعكسة على المرآة قد حاصرته و كبلته و سيطرت على وعيه و إدراكه بصورة أصبح من المستحيل مع وجودها التشاغل عن التفكير فيها بعمل آخر




:

"




فكرت أن أنزعها من جدار غرفتي وأضع بدلا عنها..لوحة أخرى...لكن ماذا يمكنني أن أضع مكانها... كنت لم أزل في الفراش جالسا مغروسا كشجرة تأبى أن تتخلى عن جذورها برغم الإعصار الذي بات يهددها...حاولت أن أجد ما قد يشغلني عنها فنظرت إلى النافذة التي تطل على الشارع..لكنه كان مهجورا.. فقلت في نفسي المنبه كان يريد مني أن استيقظ لسبب ما..فكرت بالأمر الذي جعلني أعد المنبه لهذا الوقت..لكن هواجس اللوحة طغت على كل شيء وجدتني أعود إليها غصبا..قسرا.."





إعتقد البطل أنه أستطاع الإنتصار على تلك اللوحة بنزعها عن الحائط فى عملية شاقة و كأنها تأبى أن تنتزع,, ترفض أن تغادر مكانها و لكنه إنتزعها و أخفاها و قرر أن يستبدلها بأخرى




:

"وفي لحظة ما ولا أعلم كيف قررت أن أنزعها.. فخرجت من فراشي..ومددت يدي إليها ونزعتها وكأني أنزع شيئا لا ينزع هكذا دب شعور خفي في أعماقي..لكني عاندت نزعتها ووضعتها خلف المكتبة حتى لا أراها...فكرت أن أضع بدلا عنها لوحة أخرى ..لكني لم أكن أملك بديلا لها.."




البديل الذى قرره البطل ليحل محل ما يؤلمه يصبح أشد قسوة و ألما ,, لا يقدم الحل للمعاناة بل يزيدها و يفصح لنا عن المزيد منها المختبىء فى نفس البطل ,, لوحة أخرى لطفل آخر ,, بكاء آخر لطفل آخر ,, طفل معه أمه و يبكى مفتقد الأمان و طفل وحده وسط الجموع الوفيرة من البشر و يبكى أيضا مفتقداً الأمان ,, يتكشف لنا هنا مفهوم القاص عن الأمان , هو ليس حضن الأم الانسان , هو حضن الأم الوطن فبكاء الطفلين و عدم الشعور بالأمان لم يخفف من وطأته وجود الأول بين أحضان أمه الأنسان و الآخر الوحيد بلا أم ووسط الناس و مع ذلك كان يبكى ,,, الشعور بالوحدة و فقدان الأمان هو محرك الاحداث هنا




..

إذن اللوحة البديلة لم تقدم الحل للبطل فمن تمتمته لنفسه يكتشف هو أن ما كان يعتقد انه أفزعه و أعتقد أنه يستطيع تغييره لم يكن صحيحا فعاد الى لوحته القديمة و طفله الباكى فى اللوحة ,, لم يعد يفزعه بعد الآن فحتى الآتى لا أمل فيه و ما حسب أنه تغيير للأفضل لم يكن سوى صورة أخرى من صور المعاناة .. و الطفل داخله و خارجه واحد يعانى فى كل الأحوال ,, الطفل فى لوحته و الطفل فى لوحات الآخرين يعانى نفس المعاناة .لا أمان و لا حلم آتى طالما كانت الحياة لعبة أزلية فى يد من لا يستحقونها يعبثون بها و بنا :


"




همست لا بأس عندما أخرج إلى السوق اشتري لوحة لأضعها مكان التي نزعتها...تذكرت حينها بأني على موعد مع صديقة للذهاب إلى السوق لشراء هدية عرس لأحد زملائنا...خرجت...وفي المساء ونحن نستعد للعودة تقول لي الصديقة بأنها تريد أن تسلمني أمانة وصت بها أختها الصغيرة.. والأمانة كانت لوحة حجمها أصغر بقليل من تلك التي نزعتها من على جدار غرفتي.. أخذتها..شكرتها...عدت للبيت...دخلت غرفتي...فتحت هديتي... آه...أه...إنها لوحة جميلة جدا...طفل وحيد ليس معه أحد..يبكي على رصيف مكتظ بالناس....نظرت إلى المكتبة..سرت إليها.. أخرجت لوحتي القديمة.. وعلقتها ووضعت الجديدة في مكان القديمة خلف المكتبة.. دب شعور قاس في أعماقي وكأنها رسالة مجهولة لي..وأتذكر بأني كنت أتمتم مع نفسي إنها أفزعتني...أفزعتني .



عايده بدر
21-6-2009





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق